تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ابن سِيدَه ([18]): والحرف: القراءة التي تُقرأ على أوْجُهٍ. وما جاء من قوله عليه السلام:» نزل القرآن على سبعة أحرف، كلُّها شافٍ وكافٍ «. أراد بالحرف اللغة. قال أبو عُبَيْد وأبو العباس ([19]): نزل على سبع لغات من لغات العرب. قال: وليس معناه أن يكون في الحرف سبعة أوجُهٍ. هذا لم يُسْمَع به. قال: ولكن يقول: هذه اللغات متفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة أهل اليمن، وبعضه بلغة هَوَازِنَ، وبعضه بلغة هُذَيْل. وكذلك سائر اللغات، ومعانيها في هذا كله واحد ... ومما يبين ذلك قول ابن مسعود ([20]): إني قد سمعت القُرّاء فوجدتهم متقاربين. فاقرأوا كما عُلِّمْتم. إنما هو كقول أحدكم: هلمَّ، وتعالَ، وأقْبِلْ. قال ابن الأثير: وفيه أقوال غير ذلك. هذا أحسنها ... وروى الأزهري ([21]) عن أبي العباس ([22]) أنه سئل عن قوله: نزل القرآن على سبعة أحرف. فقال: ما هي إلا لغات. قال الأزهري: فأبو العباس النحوي، وهو واحد عصره، قد ارتضى ما ذهب إليه أبو عبيد واستصوبه. قال: وهذه السبعة أحرف التي معناها اللغة غير خارجة من الذي كُتِبَ في مصاحف المسلمين التي اجتمع عليها السلف المَرْضِيُّون، والخَلَف المتَّبِعُون. فمن قرأ بحرف، ولا يخالف المصحف بزيادة أو نقصان، أو تقديم مؤخَّر، أو تأخير مقدَّم، وقد قرأ به إمام من أئمة القراء المشتهرين في الأمصار، فقد قرأ بحرف من الحروف السبعة التي نزل القرآن بها. ومن قرأ بحرف شاذّ، يخالف المصحف، وخالف في ذلك جمهور القراء المعروفين، فهو غير مُصيب. وهذا مذهب أهل العلم الذين هم القدوة. ومذهب الراسخين في علم القرآن قديماً وحديثاً. وإلى هذا أومأ أبو العباس النحوي وأبو بكر ابن الأنباري في كتاب له، ألّفه في اتّباع ما في المصحف الإمام، ووافقه على ذلك أبو بكر ابن مجاهد مقرئ أهل العراق، وغيره من الأثبات المتقنين. قال: ولا يجوز عندي غير ما قالوا. والله تعالى يوفقنا للاتّباع، ويجنبنا الابْتداع ([23]).

® ® ®

وقد أوضح هذا المعنى، وبَيّنه أحسن بيان أبو محمد ابن قتيبة في كتابه "تأويل مشكل القرآن". قال:

وكل هذه الحروف كلام الله تعالى، نزل به الروح الأمين على رسوله عليه السلام. وذلك أنه كان يعارضه في كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن، فيُحْدِث الله إليه من ذلك ما يشاء، وينسخ ما يشاء، وييسّر على عباده ما يشاء، فكان من تيسيره أن أمره بأن يُقْرِئ كلَّ قوم بلغتهم، وما جرت عليه عادتهم. فالْهُذَلِيّ يقرأ] عَنِّي حِينٍ [يريد] حَتّى حِينٍ [([24])، لأنه هكذا يلفظ بها، ويستعملها. والأسَدي يقرأ: تِعْلَمُون وتِعْلَم، و] تِسْوَدُّ وُجُوهٌ [([25]) و] أَلَمْ إِعْهَدْ إِلَيْكُمْ [([26]). والتميمي يَهْمِز ([27])، والقرشي لا يهمز، والآخر يقرأ] وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ [([28]) و] غِيضَ الْمَاءُ [([29]) بإشمام الضم مع الكسر، و (هذه بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا) ([30]) بإشمام الكسر مع الضم، و (] مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا [([31]) بإشمام الضم مع الإدغام. وهذا لا يَطوع به كل لسان، ولو أن كل فريق من هؤلاء أُمِرَ أن يزول عن لغته، وما جرى عليه اعتياده، طفلاً وناشئاً وكهلاً، لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه. ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للسان، وقطع للعادة. فأراد الله - برحمته ولطفه - أن يجعل لهم مُتَّسعاً في اللغات، ومتصَرَّفاً في الحركات، كتيسيره عليهم في الدين، حين أجاز لهم، على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم، أن يأخذوا باختلاف العلماء من صحابته في فرائضهم وأحكامهم، وصلاتهم وصيامهم، وزكاتهم وحجّهم، وطلاقهم وعِتْقهم، وسائر أمور دينهم ([32]).

ونرى في هذا الكلام الذي قاله ابن قتيبة جلاء واضحاً للمشكل الواقع في مدلول هذا الحديث، وهو أن المعنى المقصود بالأحرف السبعة لغاتُ العرب، أي لهجات قبائلهم المختلفة بعض الاختلاف الذي ذكر ابن قتيبة أمثلة منه.

® ® ®

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير