ثم قم إلى الطهارة واركع سنة الفجر واخرج إلى المسجد خاشعًا، وقل في طريقك: " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبممشاي هذا إليك، إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا رياءً ولا سمعة، خرجتُ اتقاءَ سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تجيرني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ".
واقصد الصلاة إلى يمين الإمام، فإذا فرغت من الصلاة فقل: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " عشر مرات.
ثم سبّح عشرًا، واحمد عشرًا، وكبّر عشرًا، واقرأ ءاية الكرسي وسلِ اللهَ سبحانه قبول الصلاة، فإن صح لك فاجلس ذاكرًا لله تعالى إلى أن تطلع الشمس وترتفع، ثم صل واركع ما كتب لك وإن كان ثمانِ ركعات فهو حسن.
فصل في عمل اليوم والليلة
ثم تتشاغل بما يمكن من العلوم، وأهمها تصحيح قراءة القرءان، ثم الفقه، فإذا أعدت دروسك إلى وقت الضحى الأعلى، فصلّ الضحى ثماني ركعات، ثم تشاغل بمطالعةٍ أو بنسخٍ إلى وقت العصر.
ثم عد إلى دروسك بعد العصر إلى المغرب، وصل بعد المغرب ركعتين، تقرأ فيهما جزئين، فإذا صليت العشاء فعد إلى دروسك.
ثم اضطجع فسبح ثلاثًا وثلاثين، واحمد ثلاثًا وثلاثين، وكبر أربعًا وثلاثين.
وقل: " اللهم قني عذابك يومَ تجمعُ عبادَك ".
وإذا فتحت عينيك من النوم فاعلم أن النفس قد أخذت حظها فقم إلى الوضوء، وصل في ظلام الليل ما أمكن، والتوسطُ أن تصلي ركعتين خفيفتين، ثم بعدهما ركعتين بجزئين من القرءان، ثم تعود إلى دروس العلم، فإن العلم أفضل من كل نافلة.
فصل في العزلة والعلم
وعليك بالعزلة فهي أصل كل خير، واحذر من جليس السوء، وليكن جلساؤك الكتب، والنظرَ في سِيَر السلف، ولا تشتغل بعلمٍ حتى تُحكِم ما قبله، وتلمّح سِيَرَ الكاملين في العلم والعمل، ولا تقنع بالدون، فقد قال الشاعر في ذلك:
ولم أرَ في عيوب الناس شيئًا ... كنقص القادرين على التمامِ
واعلم أن العلم يرفع الأراذل، فقد كان خلقٌ كثير من العلماء لا نسب لهم يُذكر، ولا صورةً تُستَحسَن، وكان عطاءُ بن أبي رباح أسودَ اللون ومستوحَشَ الخِلقة، وجاء إليه سليمان بن عبد الملك وهو خليفة ومعه ولداه، فجعلوا يسألونه عن المناسك، فحدّثهم وهو معرضٌ عنهم بوجهه، فقال سليمان الخليفة لولديه: " قوما ولا تَنَيا ولا تكاسلا في طلب العلم، فما أنسى ذلنا بين يدَي هذا العبد الأسود ".
وكان الحسن [البصري] مولى ـ أي مملوكاً ـ وابن سيرين ومكحولٌ وخلق كثير، وإنما شرفوا بالعلم والتقوى.
فصل في فضل التقوى
واجتهد يا بني في صيانة عِرضك من التعرض لطلب الدنيا والذل لأهلها، واقنع تَعِزّ، فقد قيل: من قنع بالخبز والبقل لم يستعبده أحد.
وجاز أعرابي بالبصرة فقال: من سيد هذه البلدة؟ فقيل له: الحسن البصري، قال: وبم سادهم؟ قالوا: استغنى عن دنياهم وافتقروا إلى علمه.
واعلم يا بني أن أبي كان موسرًا وخلَف ألوفًا من المال، وكان أبوك طفلاً، فاُنفِق عليه من ذلك المال إلى أن بلغ، ولم يرَ بعد بلوغه سوى دارَين، كان يسكن واحدة ويأخذ أجرة الأخرى، ثم اُعطي نحو عشرين دينارًا، وقيل له: هذه التركة كلها، فأخذتُ الدنانير واشتريت بها كتبًا من كتب العلم، وبعت الدارين وأنفقتُ ثمنهما في طلب العلم، ولم يبق لي شيء من المال، وما ذلَّ أبوك في طلب الدنيا كذل غيره، ولا خرج يطوف البلدان كغيره من الوُعَاظ، ولا رأى أكابرُ البلدان رِقاعَه عندهم يستعطيهم، وأمورُه تجري على السداد. (ومن يتقِ اللهَ يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب) [سورة الطلاق / 2 ـ 3].
فصل في أن التقوى خير زاد
يا بني! ومتى صحتِ التقوى رأيتَ كل خير، فالمتقي لا يرائي الخلق ولا يتعرض لما يؤذي دينه، ومَن حفظَ حدودَ الله حُفِظ.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " احفظِ اللهَ يحفظْكَ، احفظِ اللهَ تجدْهُ أمامَك ".
واعلم يا بني أن يونس عليه السلام لما كانت ذخيرته خيرًا نجا بها من الشدة، قال الله تعالى: (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يُبعَثون) [سورة الصافات / 143 ـ 144].
¥