تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأن فرعون لما لم تكن له ذخيرةُ خيرٍ لم يجد في شدته مَخلَصًا، فقيل له: (ءالآن وقد عصيتَ قبلُ) [سورة يونس / 91].

فاجعل لك ذخائر خيرٍ من تقوى تجدْ تأثيرَها.

وقد جاء في الحديث: " ما من شابٍ اتقى الله تعالى في شبابه إلا رفعه الله تعالى في كِبَرِه ".

قال الله تعالى: (ولما بلغ أشُدَّهُ ءاتيناه حُكمًا وعِلمًا وكذلك نجزِى المحسنين) [سورة يوسف / 22].

واعلم يا بني أن أوفى الذخائر غضُ الطرف عن محرَّمٍ، وإمساكُ اللسان عن فضول كلمة، ومراعاةُ حدٍّ، وإيثارُ اللهِ سبحانه وتعالى على هوى النفس، قد عرفتَ حديثَ الثلاثة الذين دخلوا إلى غارٍ فانطبقت عليهم صخرة، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان وأولاد فكنت أقف بالحليب على أبويّ فأسقيهما قبل أولادي، فإن كنتُ فعلتُ ذلك لأجلك فافرِج عنا؛ فانفرج ثلث الصخرة، فقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرتُ أجيرًا فتسخَّطَ أجرَه، فاتَّجَرتُ له به فجاء يومًا فقال: ألا تخاف الله؟! فقلت: انطلق إلى تلك البقر ورعاتها فخذها، فإن كنتُ فعلتُ ذلك لأجلك فافرِج عنا؛ فانفرج ثلث الصخرة، فقال الآخر: اللهم إني علِقتُ ببنت عمٍ لي، فلما دنوتُ منها قالت: اتق الله ولا تفُضَّ الخاتَمَ إلا بحقه، فقمت عنها، فإن كنت فعلت لأجلك فافرِج عنا؛ فرُفعَت الصخرة وخرجوا ".

ورؤي سفيان الثوري رحمه الله في المنام فقيل له: ما فعل الله تعالى بك؟ قال: ما كان إلا أن وُضِعتُ في اللحد فإذا أنا بين يدي رب العالمين، فأُمِرَ بي إلى الجنة، فدخلتُ فإذا أنا بقائلٍ يقول: سفيان؟ قلت: سفيان، قال: تذكرُ يومَ ءاثرتَ اللهَ تعالى على هواك؟ قلت: نعم! فأخذَتني صواني النِثارِ من الجنة.

فصل في الجمع بين العلم والعمل

وينبغي أن تسمو همتك إلى الكمال، فإن خلْقًا وقفوا مع الزهد، وخلْقًا تشاغلوا بالعلم، وندر أقوامٌ جمعوا بين العلم الكامل والعمل الكامل. واعلم أني قد تصفحتُ التابعين ومَن بعدَهم فما رأيت أحظى بالكمال من أربع أنفس: سعيد بن المسيب، وسفيان الثوري، والحسن البصري، وأحمد بن حنبل؛ وقد كانوا رجالاً إنما كانت لهم هممٌ ضعُفَت عندنا، وقد كان في السلف خلقٌ كثير لهم همم عالية، فإذا أردت أن تنظر إلى أحوالهم فانظر في كتاب " صفة الصفوة "، وإن شئت " أخبار سعيد " و " أخبار سفيان " و " أخبار أحمد بن حنبل "، فقد جمعتُ لكل واحدٍ منهم كتابًا.

فصل في فضل الحفظ والصدق

وقد علمتَ يا بني أنني قد صنفتُ مائة كتاب، فمنها " التفسير الكبير " عشرون مجلدًا، و " التاريخ " عشرون مجلدًا، و " تهذيب المسند " عشرون مجلدًا، وباقي الكتب بين كبار وصغار يكون خمسَ مجلدات، ومجلدين وثلاثة، وأربعة، وأقل وأكثر؛ كفيتُك بهذه التصانيف عن استعارة الكتب وجمع الهمم في التأليف. فعليك بالحفظ، فإن الحفظَ رأسُ المال، والتصرفَ رِبحٌ، واصدُقْ في الحالين في الالتجاء إلى الله سبحانه، فراعِ حدودَه، قال الله تعالى: (إن تنصروا الله ينصرْكم) [سورة محمد / 7] (فاذكروني أذكرْكم) [سورة البقرة / 152]، (وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم) [سورة البقرة / 140].

فصل في أن البركة والنفع مقرون بالعمل بالعلم

وإياك أن تقف مع صورة العلم دون العمل به، فإن الداخلين على الأمراء والمقبلين على أهل الدنيا، قد أعرضوا عن العمل بالعلم، فمُنعوا البركةَ والنفعَ به.

فصل في النية الصالحة مع العمل بعلم

وإياك أن تتشاغل بالتعبد من غير علم، فإن خلقًا من المتزهدين والمتصوفة ضلوا طريق الهدى إذ عملوا بغير علم.

واستر نفسك بثوبين جميلين، لا يُشهِرانِكَ بين أهل الدنيا برِفعتِهما، ولا بين المتزهدين بضِعَتِهِما، وحاسب نفسك عند كل نظرة وكلمة وخطوة، فإنك مسؤول عن ذلك، وعلى قدر انتفاعك بالعلم ينتفعُ السامعون، ومتى لم يعملِ الواعظُ بعلمِه زلَّتْ موعظتُه عن القلوب كما يزلُّ الماءُ عن الحجر؛ فلا تعظنَّ إلا بنية، ولا تمشينَّ إلا بنية، ولا تأكلنَّ إلا بنية، ومع مطالعات أخلاق السلف ينكشفُ لك الأمر.

فصل في كتب مفيدة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير