والراجح ما ذهب إليه العز بن عبد السلام وغيره من العلماء: بأن المناسبة علم حسن بشرط أن يقع الكلام فى أمر متحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر، ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا برباط ركيك يصان عنه حسن الحديث فضلا عن أحسنه.
ويُعد مخطوط (حور العين) للقزويني مثالاً تطبيقيًّا لهذه المسألة، فإنه جمع بين دفتيه ما يصح من المناسبات بين السور، وبين ما هو متكلف مردود. وفيما يأتي نماذج وأمثلة مختارة من المخطوط وتعريف موجز به وبمؤلفه.
والمؤلف أجاد في الربط بين بعض السور، وأبعد النجعة في أخرى، وجاء بتكلف كبير لا يؤيده السياق ولا الدليل.
ومما تميز به هذا المخطوط عن المؤلفات المشابهة له: محاولة الربط بين أول السورة وأول التي تليها، وبين آخر السورة وآخر التي تليها؛ وهذا التميز – في ظني- من أبرز أسباب ظهور التكلف الواضح في الربط بين السور، حيث يتعسف ربط آيات لا اتصال بينها في الموضع والسياق ولا في المعنى.
تعريف بالمؤلف:
هو شمس الدين محمد بن أحمد المبارك الشهير بحكيم شاه القزويني، مفسر، طبيب، منطقي، متكلم، من تلامذة جلال الدين الدواني، جاور بمكة، ثم طلبه السلطان بايزيد خان، وهذا المخطوط هو إهداء من المؤلف ألفه للسلطان بايزيد، ومن مصنفاته: تفسير القرآن العظيم من سورة الفتح (أو النحل) إلى آخر القرآن، وحواش على شرح العقائد العضدية للدواني، ومدار الفحول في شرح منار الوصول، وشرح أيساغوجي في المنطق، وشرح الموجز في الطب، وشرح الكافية، وشرح حكمة العين للقزويني، توفي سنة 954هـ رحمه الله تعالى.
ترجمته في: طبقات المفسرين، للأدنروي؛ والشقائق النعمانية، لطاش كبري؛ ومعجم المؤلفين، لكحالة.
نسخ المخطوط:
للمخطوط نسختان: أحدهما في مكتبة (أياصوفيا) بإسطنبول برقم (375)، وتقع في (134) ورقة، وهي المرفق نماذج منها. والثانية في دار الكتب المصرية.
مثال لما أجاد المؤلف فيه من الربط:
الربط بين سورة الفاتحة والبقرة: "فنقول أما ربط فاتحة البقرة بخاتمة الفاتحة فلأن خاتمة سورة الفاتحة طلب طريق الهداية حيث قال تعالى -تعليماً لنبيه الرؤوف الرحيم-: (اهدنا الصراط المستقيم)، وفاتحة سورة البقرة يبين ذلك الطريق المطلوب، القويم، حيث قال الرب الكريم: (الم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين)، فظهر الربط على الأفق المبين".
أمثلة للربط المتكلف:
1 - تفسيره الحروف المقطعة بتفسير يظهر في بعضه التكلف الواضح؛ لأجل أن يجعلها رابطًا للسورة التي تليها أو التي سبقتها، مثال ذلك: ما ذكره من الربط بين أول سورة الأعراف، وأول سورة الأنفال، قال رحمه الله: "وأما الربط بين أولهما فلأن من معاني (المص): الأنفال لله ومحمد صلى الله عليه وسلم، فإن الألف إشارة إلى الأنفال واللام إلى لله والميم إلى محمد والصاد إلى صلاة الله وملائكته عليه، كما قال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) الآية، وهذا المعنى ملائم لقوله في أول الأنفال: (لله والرسول) ".
2 - ربطه بين آخر السورة وآخر التي تليها، ولهذا أمثلة متعددة، منها: الربط بين آخر الفاتحة وآخر البقرة، قال: "وأما الملائمة بين خاتمتهما فظاهر لا يخفى بأن يقال: (اهدنا الصراط المستقيم) أي: اجعلنا سالكين للصراط المستقيم، (صراط الذين أنعمت عليهم) من النبيين والصديقين، وإن وقع منا نسيان أو خطأ في سلوك ذلك الطريق فيا (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وإن كنت تحمل علينا في ذلك الطريق شيئاً فيا ربنا (لا تحمل علينا إصراً) أي: حملاً ثقيلاً، (كما حملته على الذين من قبلنا)، ربنا لا (تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا) أي: عن ذنوبنا (واغفر لنا) واسترنا أي: عيوبنا (وارحمنا أنت مولانا) فلا تغضب علينا أي: لا تجعلنا سالكين لصراط الذين غضبت عليهم ولا الضالين، فإنهم من الكافرين أي: لا تجعلنا تابعين للكافرين ولا تجعل الكافرين أئمة لنا في الطريق حتى لا يكونوا غالبين علينا (فانصرنا على القوم الكافرين)، واجعلنا عليهم غالبين آمين.
¥