الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتل لإبليس فقد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس! وأقبح أثر الناس عليهم! ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبّهون عليهم -فنعوذ بالله من فتن الضالين.
قال الامام أبي إسماعيل الهروي في كتابه (ذم الكلام وأهله)
(باب " كراهية تشقيق الخطب, وترقيم الكلام, والتكلم بالأغاليط")
105 - عن واثلة -رضي الله عنه- قال: (أقبل رجل عليه شورة حسنة, لا أدري متى رأيت أملأ في عيني منه؟!! , فقرأ على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-, فجعل رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لا يتكلم بكلام, إلا كلفته نفسه أن يأتي بكلام يعلو كلام رسولالله-صلى الله عليه وسلم-, فلما انصرف قال-صلى الله عليه وسلم-: (إن الله لا يحب هذا وضرباءه, يلوون ألسنتهم للناس لي البقرة لسانها بالمرعى, كذلك يلوي الله ألسنتهم ووجوههم في النار).
" مختصر تخريج المحقق: (أورده الهثمي في مجمع الزوائد فقال: رواه الطبراني بأسانيد, ورجال أحدهما رجال الصحيح).
-قلت: يشهد له حديث (إن الله يبغض البليغ من الرجال, الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها). السلسة الصحيحة برقم (880) , نقلت الحديث من كتاب الادب المفرد –باب كثرة الكلام-في الحاشية-تحقيق الاباني.
115 - عن الأعمش, عن إبراهيم قال: (كانو يكرهون غريب الكلام, وغريب الحديث).
116 - قال الاوزاعي: (عليك بآثار من سلف, وإياك وآراء الرجال! , وإن زخرفوه بالقول!).
# من كتاب "ذم الكلام واهله" تحقيق عبدالرحمن الشبل-ط مكتبة العلوم والحكم- (1/ 110).
وقال الامام البخاري في كتابه " الأدب المفرد":
345 - باب كثرة الكلام-
-عن ابن عمر قال: قدم رجلان من المشرق خطيبان على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-, فقاما فتكلما ثم قعدا. وقام ثابت بن قيس, خطيب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فتكلم, فعجب الناس من كلامهما. فقام رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يخطب, فقال: يا أيها الناس! قولوا قولكم, فإنما تشقيق الكلام من الشيطان). ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان سحرا).
-صححه الالباني في الصحيحة (1731).
# ومن الأمور التي ألحقها الشاطبي بالبدع الإضافية:
-تحديث الناس بما لا يفقهون, وتكليمهم في دقائق العلوم وصعاب المسائل التي لا تصل إليها أفهامهم ...
-من كتاب-حقيقة البدعة وأحكامها-تأليف سعيد الغامدي- (2/ 32).
- قال الأصمعي: (كنت إذا سمعت أبا عمرو بن العلاء يتكلم, ظننته لا يعرف شيئا, كان يتكلم كلاما سهلا).
سير أعلام النبلاء- (6/ 410).
والعجيب أن أباعمرو بن العلاء هو شيخ القراء والعربية!.
نفس المصدر (6/ 407).
ومن امثلة التنطع والتقعر في الكلام: ما جاء في ترجمة هشام بن عمرو المفوطي: أن رجلا أراد أن يسأل عن عمره فقال: كم تعد من السنين؟ قال من واحد إلى أكثر من ألف, قال: لم أرد هذا, كم لك من السن؟ قال: اثنان وثلاثون سنا, قال كم لك من السنين؟ قال: ما هي لي, كلها لله, قال ما سنك؟ قال: عظم, قال: فابن من انت؟ قال: ابن أم وأب, قال: فكم أتى عليك؟ قال: لو أتى علي شيء لقتلني, قال: ويحك! فكيف أقول؟ قال: قل كم مضى من عمرك؟
قال الامام الذهبي-رحمه الله- متعقبا هذا التكلف: (هذا غاية ما عند هؤلاء المقعرين من العلم, عبارات وشقاشق لا يعبأ الله بها, يحرفون الكلم عن مواضعه قديما وحديثا. فنعوذ بالله من الكلام واهله).سير أعلام النبلاء (10/ 547).
وهشام هذا من أئمة المعتزلة.
-نقلا عن كتاب "معالم في طريق طلب العلم" للشيخ عبدالعزيز السدحان"-صفحة (171) -دار العاصمة.
-قال أبو هلال العسكري: (وأجود الكلام ما يكون جزلا سهلا لا ينغلق معناه, ولا يستبهم مغزاه, ولا يكون مكدودا مستكرها, ومتوعرا متقعرا, ويكون بريئا من الغثاثة, عاريا عن الرثاثة).من كتاب الصناعتين (ص 67).
وقال العلامة محمد بن سليمان الكافيجي: (إن السالك إلى دقائق المحاجة هو العاجز عن إقامة الحجة بالجلي من الكلام, فإن من استطاع أن يفهم بالأوضح الذي يفهم الاكثرين لم ينحط إلى الاغمض الذي لا يعرفه إلا الاقلون, إذا كان غرضه بيان الحق وإظهار الصواب.
فالله تعالى أخرج مخاطباته في محاجة خلقه في أجلى صورة, تشتمل على أدق دقيق, ليفهم العامة من جليها ما ينفعهم وتلزمهم الحجة, ويفهم الخواص أسرارها ودقائقها, قال تعالى: (إن في ذلك لأيت لقوم يعقلون).من كتاب التيسير في قواعد علم التفسير (ص 218).
وقال الخطابي رحمه الله: (إني تدبرت هذا الشأن (يعني الاغراب في الالفاظ) , فوجت عظم السبب فيه أن الشيطان صار اليوم بلطيف حيلته, يسول لكل من أحس من نفسه بزيادة فهم وفضل وذكاء وذهن, ويوهمه أنه إن رضي في عمله ومذهبه بظاهر السنة واقتصر على واضح بيان كان أسوة للعامة وعد واحدا من الجمهور والكافة, فإنه قد ضل فهمه واضمحل لفظه وذهنه, فحركهم بذلك على التنطع في النظر والتبدع لمخالفة السنة والأثر, ليبينوا بذلك طبقة الدهماء ويتميزوا في الرتبة عمن يرونه دونهم في الفهم والذكاء, فاختدعهم بهذه المحجة حتى استزلهم عن واضح المحجة وأورطهم في شبهات تعلقوا بزخارفها). من كتاب الغنية عن الكلام (ص93).
-نقلا عن كتاب النبذ في آداب طلب العلم- للشيخ حمد العثمان- (ص 202) -ط دار ابن حزم.
¥