عليه , ولا نقول:استعنت بالله وبك فيما أقدرك الله عليه , وأما القسم الثاني وهو الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله كإنزال المطر والرزق والولد فهو شرك لا يجوز ولا يصح فلا فرق حينئذ بين عبارة:استعنت بالله وبك , وعبارة: استعنت بالله ثم بك لأن هذا النوع من الاستعانة لا يجوز بحال لا بالواو ولا بثم فكذلك التوكل فلا يجوز أن نقول " توكلت على الله ثم عليك "إلا إذا كان التوكل عل غير الله عز وجل يجوز في ذلك , وقد علمت أنه لا يجوز التوكل على غير الله بحال لأن الأدلة كلها على تخصيص التوكل على الله وحده لا على غيره.
ولو كان عطف التوكل على غير الله بثم ينقل حكمه من التحريم إلى الجواز ومن الشرك إلى الإيمان لكان لقائل أن يقول: (نذرت لله ثم لك) محتجا لجوازها بثم , فهل يصح مثل هذا؟ وما الفرق بين (توكلت على الله ثم عليك) و (نذرت لله ثم لك) , فدخول ثم في العبارتين لا يغير من حكمهما شيئا فهما من العبارات الشركية.
إذا علمت هذا تبين لك أن الصواب مع من أفتى من علمائنا الكرام بتحريم تللك المقالة وأنها من الألفاظ الشركية ومنهم الإمام محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ وهو كان مفتيا للملكة وهو شيخ الإمام ابن باز ـ رحمه الله ـ ومنهم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين والشيخ محمد سعيد رسلان وغيرهم من أهل العلم الكرام , وأن من أفتى بجواز تلك المقالة من علمائنا الكرام قد اجتهد فلم يصب فلا تثريب عليه ولكن لا يتابع على قوله هذا لأن كلا يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وها هي فتاوى العلماء في ذلك: س: ما رأيكم في قول بعض الناس:" توكلت على الله ثم عليك "، ويقصدون بذلك قضاء حاجة أو غير ذلك من أمور الدنيا، وفيما يقدر عليه البشر؟ والله يحفظكم.
ج: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: أولهما: أنه لا يجوز أن يقول الإنسان: توكلت على الله؛ ولو أتبعها بقوله: ثم عليك؛ لأنها لم ترد في الكتاب والسنة إلا موجهة لله تعالى، كما أن حقيقة التوكل تفويض الأمر كله لله، وأن ما يعمله المرء بعد ذلك إنما هو سبب وامتثال، والمخلوق لا يوجه له ذلك. والقول الثاني في المسألة: الجواز، ولا يُنظر فيها إلى أصل معناها وما يكون من التوكل في القلب، إنما ينظر فيها إلى أن العامة حينما تستعملها لا تريد التوكل الذي يعرفه العلماء، وإنما تريد مثل معنى أوكلت الأمر إليك، ومثلها وكَّلْتُك ونحو ذلك، فسهلوا فيها باعتبار مقصود المتكلم،ولو صح القول الثاني فالأولى هو ترك هذه العبارة؛ لما تشتمل عليه من الإيهام. والله أعلم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والأخيرين وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين وبعد: فالتوكل من أعظم الأعمال القلبية وأشقها, ولا شك أن تمكنه من قلب المسلم يكسبه طمأنينة النفس وقوة الجأش والثقة بالله تعالى, وهي من أعظم المعاني التي يسعى لتحقيقها المسلم, وفي المقابل فإن توكل المسلم على غير الله قد يخرجه من الملة إذا كان تعلق بغيره في طلب نفع أو دفع ضر, وأقل أحواله أن يكون شركاً أصغر إذا توكل على السبب مع اعتقاده في الله النفع والضر, لذلك كانت هذه الكلمات في بيان بعض معالم التوكل على الله وعلاقة ذلك بالأسباب على وجه الإيجاز تسهيلاً للمطلع حتى يدرك هذا الأمر المهم.
- حقيقة التوكل في اللغة: الاعتماد على الغير. وهو في الشرع: حال للقلب ينشئ عن معرفة بالله والإيمان بربوبيته, وأنه ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن فيوجب اعتماداً عليه وتفويضاً إليه وطمأنينة وثقة به ويقينا بكفاية من توكل عليه. وهو كذلك: أن يعلم العبد أن هذا الملكوت بيد الله جل وعلا يصرفه كيف يشاء, فيفوض الأمر إليه, ويلتجئ بقلبه في تحقيق مطلوبه والهرب مما يسوؤه إليه, ويعتصم بالله وحده فينزل حاجته به ويفوض أمره إليه, ثم يعمل السبب الذي أمر الله به. - ولا شك أن التوكل على الله من أهم الأعمال القلبية وأجمعها بل هو العبادة كما يقول الإمام أحمد رحمه الله, فجعل العبادة كلها بمعنى التوكل على الله سبحانه, إذ أنه هو أصلها الذي تقوم عليه.
¥