[حكم قتل المدنيين (دراسة فقهية)]
ـ[الصبر الجميل]ــــــــ[09 Dec 2009, 02:34 م]ـ
[حكم قتل المدنيين (دراسة فقهية)]
عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فهذا بحث موجز في حكم قتل المدنيين, وقد كثر الكلام حول هذه المسألة, وما أكثر ما وقع فيها من خلط وخبط وإفراط وتفريط, والسبب في ذلك هو عدم الرجوع إلى ما قرره الفقهاء والعلماء السابقون رضي الله عنهم, وإهمال التراث الفقهي الإسلامي, والنظر السطحي غير الشمولي في الأدلة الشرعية والفهم السقيم لها
وقد جعلت الموضوع في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: حكم قتل المدنيين من المسلمين
والمبحث الثاني: حكم قتل المدنيين من أهل الذمة والمعاهدين والمستأمنين
والمبحث الثالث: حكم قتل المدنيين من أهل دار الحرب
تمهيد: في من هم المدنيون؟:
قبل الحديث عن حكم قتل المدنيين لا بد من معرفة ماذا تعني كلمة المدنيين لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره .. فالمدنيون: مصطلح معاصر يراد به من عدى العسكريين, فكل من ليس بعسكري فهو مدني, وهنا يأتي سؤال مهم جدا وهو: هل العسكري والحربي بمعني واحد؟. هذا ما سيأتي الحديث عنه مفصلا إن شاء الله
المبحث الأول:
حكم قتل المدنيين من المسلمين
لا يخفى على أحد أن دم المسلم من أعظم المحرمات سواء كان مدنيا أم عسكريا ولو لم يكن في ذلك إلا قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) لكفى في بيان عظيم هذا الجرم, والآيات والأحاديث في حرمة دم المسلم كثيرة جدا ولا داعي لإيرادها؛ لأنها أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر.
ولكن هناك حالات تبيح دم المسلم, -على خلافٍ في بعضها بين أهل العلم- ومن تلك الحالات:
- حالة القصاص, والزنا مع الإحصان, والارتداد عن الدين (وسمي مسلما مجازا باعتبار ما كان) وهذه الثلاث الحالات ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة) اه رواه البخاري ومسلم
- ومن تلك الحالات: البغي على الإمام, وترك الصلاة, والحرابة, والسحر ... إلخ, والأدلة الشرعية على جواز القتل في تلك الحالات وأقوال أهل العلم فيها مبسوطة في مظانها.
وهذه الحالات السابقة كلها ليس القتل فيها لآحاد الناس بل هي إلى الإمام أو نائبه ولا يجوز الافتئات عليه, لأنها أمور تحتاج إلى البينات والشهادة وغير ذلك مما يحتاج إليه القضاء, وخصوصا قضية الارتداد فإن الجهل والهوى يدخلان فيها بكثرة, وما أكثر ما أهدرت دماء تحت دعوى الارتداد وخصوصا في مسائل العقائد, وهذه بعض أقوال أهل العلم في ذلك:
- قال ابن الهمام الحنفي في فتح القدير 6/ 98: (وقتل المرتد مطلقا إلى الإمام عند عامة أهل العلم إلا عند الشافعي في وجه! في العبد إلى سيده) اه
- وقال زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب 4/ 122 في المرتد: (ويتولاه) أي قتله (الحاكم) , ولو بنائبه (بضرب الرقبة لا الإحراق) بالنار أو غيره لما فيه من المثلة, فلو تولاه غير الحاكم أو الحاكم بغير ضرب الرقبة عزر) اه
- وقال الرحيباني الحنبلي في مطالب أولى النهى 6/ 289: (ولا يقتل المرتد إلا الإمام أو نائبه) حرا كان أو عبدا; لأنه قتل لحق الله تعالى; فكان إلى الإمام كرجم الزاني المحصن, ولا يعارضه حديث: " {أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم} لأن قتل المرتد لكفره لا حدا (فإن قتله) ; أي: المرتد (غيرهما) ; أي الإمام أو نائبه (بلا إذن) من أحدهما (أساء وعزر) لافتئاته على ولي الأمر) اه
*ومن الحالات التي تبيح دم المسلم: الدفاع عن النفس أو العرض أو المال لحديث: (من قتل دون مظلمته فهو شهيد) رواه أبو داود, وللحديث عدة ألفاظ
*ومن الحالات التي تبيح دم المسلم: تترس الكفار به لكن ذلك في حالة الضرورة فقط, في مذهب الجمهور, ومن أهل العلم من منع من ذلك مطلقا, على تفاصيل لأهل العلم في ذلك, وهذه بعض أقوال أهل العلم في المسألة:
¥