[صفحات من كتاب يوسف أيها الصديق (3)]
ـ[هاني درغام]ــــــــ[20 Jan 2010, 02:53 م]ـ
5 - يوسف فى السجن (الآيات35 - 57)
بعدما رأى العزيز وبطانته علامات براءة يوسف من قد القميص وشهادة الشاهد وقطع الأيدى قرر سجن يوسف كتماناً للقصة ألا تشيع.
وعدم تحديد مدة السجن دل بصورة غير مباشرة على براءة يوسف من أية جريمة توجب قصاصاً معلوماً حده وأمده ... وكثيراً ما يلجأ الظالمون فى كل زمان إلى مثل هذه العقوبة فى التخلص من الأبرياء وزجهم فى السجون وتغييبهم فيه إلى أجل غير مسمى تبعاً لأهوائهم ... وقد هدفوا من السجن أن يكون:
• مخرجاً لهم (يُعاقب فيه البرئ بجريرة المذنب).
• يُغاب فيه الأمر وتُطوى الصفحة ويُنسى الموضوع ... واتبعوا المثل القائل (الباب الذى يأتى منه الريح سده واستريح).
أما بالنسبة لحكمة الله فى تدبيرأمر يوسف فقد كان السجن:
• خلاص يوسف من كيدهن.
• سبباً لتفعيل مهمته الأولى والأساسية فى الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته.
• باباً يعرج منه إلى التبرئه والعزة والكرامة والتمكين فى الأرض ... ومن ثم لقاء أهله
وهكذا فقد كان السجن ليوسف واحة الخلاص وبرالأمان وشاطئ السلامة لقد أراحه السجن من أكبر شئ خافه وحذره وفر منه ... الخروج من الطاعة والسقوط فى هاوية المعصية ... ومن الحق إلى الباطل ومن العدل إلى الظلم ... ومن القرب إلى البعد ... ومن الرضا إلى السخط ... و كان هذا يعنى له وهوالمخلص المجتبى الشئ الكثيرالخطير والذى لا يعرفه ولا يفهمه إلا من كان على هداه.
وقد كان الجب أيضاً خلاصاً ليوسف من كيد إخوته وقصدهم إبعاده بأية وسيلة ولوبقتله وكان راحة له من الآثار النفسية لطفل يترعرع بين إخوة مجتمعين على كراهيته وحسده وباباً للتمكين فى الأرض ومفتاحاً لأبواب من الحكم والعلم وتأويل الأحاديث والنبوة من بعد وتكريماً لا يقدر بثمن بالمعية الإلهية والوحى الربانى الذى لا يعادله شئ.
لقد اختارالله (السجن) و (الجب) و (السيارة) ... وهى نفس الأسباب التى اختارها الكائدون وكان يمكن أن ينجيه منها ويختار له غيرها ... ليؤكد على أن العبرة فى المسبب للأسباب (الفاعل المختار) وليست فى الأسباب ذاتها وهكذا كاد الله خيراً بالجب والسجن خيراً ... ومن قبل لأبيه ابراهيم بالنار فقلبها برداً وسلاماً (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً) (الطارق 15 - 16).
لقد جعل الله السجن لعبده الصادق الصابر المخلص المحسن:
• إيناساً فى الدخول
• إكراماً فى المقام
• إعزازاً فى الخروج
1. إيناساً فى الدخول: (الآية36)
استهل القرآن مشهد السجن بدخول يوسف فيه وبمعيته سجينان والحكمة من ذلك:
• إيناس يوسف البرئ فى رهبة دخوله السجن لأول وهلة ولأول مرة.
• إيناس يوسف وتيسير وظيفته فى الدعوة إلى الله فى مجتمع متآلف متقارب فالثلاثة فتية فى صفتهم الإجتماعية المهنية (يوسف فتى فى بيت امرأة العزيز ... والصاحبان فتيان فى قصرالملك"ساقيه وصاحب طعامه السفرجى") وفى السن ودخلوا جميعاً فى نفس الوقت وجنباً إلى جنب.
وهكذا نرى معية الله تعالى مسبب الأسباب الحكيم العليم من بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله ... نرى هذه المعية الرحمانية ليوسف موصولة دائماً:
فى البيت رغم كيد الأخوة ... فى الجب رغم الغيابات والوحشة ... فى السجن رغم العذاب والعزلة ... فجعل الله له فى البيت رؤيا تكشف له الدرب وأباً حكيماً ينير له السبيل ... ومن الجب منيرة بالوحى ... ومن السجن واحة عامرة بالأنس ومدرسة للدعوة والتعليم والهدى والإرشاد (أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) (يونس 62 - 63).
2. إكراماً فى المقام (الدعوة إلى الله): (الآيات37 - 41)
بعد أن استقروا جميعاً فى السجن ومكثوا فيه زماناً تعايشوا فيه وتآنس بعضهم إلى بعض فيه (قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخر إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
¥