• الناس: - دنيوياً: تأمين طعامهم ومعاشهم وبقاء حياتهم (الأمن الغذائى).
- دينياً: وجود الرسول (يوسف) بين أظهرهم يدعوهم إلى الله وإلى ما فيه خيرهم وصلاحهم فى الدنيا والآخرة.
وهكذا قدم يوسف الصديق خطة كاملة لهذه السنوات تنبأ فيها عن علم ربانى بأحداثها الجسام ووضع فيها مبادئ التنظيم والإدارة والإقتصاد والسياسة والتدقيق والرقابة ووسائل زيادة الإنتاج والحفظ والتخزين والتقنين والتحصين.
لما رجع الساقى فأخبرالملك بتأويل يوسف ... جاء رسول الملك إلى يوسف يدعوه إلى مقابلته فأجابه يوسف (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) …. ويظهر من جواب يوسف حكمته وحسن سياسته وعزة نفسه الإيمانية وعظيم ثقته بوعد الله وإيثاره الأعلى ولو كان معنوياً وآجلاً على الأدنى (الحظوة الدنيوية) ولو كان عاجلاً.
وينتقل المشهد مباشرة إلى قصرالملك وبين يديه النسوة يطرح عليهن السؤال (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ* ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ* وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
إن النفس الأمارة بالسوء هى أحد منابع الشر والسوء فى الحياة الإنسانية والمنبع الآخر هو نزغ الشيطان عدو الإنسان المبين ... هذان هما جناحا السوء فى الحياة الإنسانية جعلهما الله فتنة لعباده لحكمة الإبتلاء فى التكليف بالعبادة ومن ثم الجزاء (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (الأنبياء 35) …لذا كان من الدعاء النبوى (اللهم إنى أعوذ بك من شر نفسى ومن شر الشيطان وشركه).
وهكذا انتهى هذا المشهد بما أراد يوسف وتمنى من براءة وتصديق له فقد أراد أن تتحقق براءته الكاملة وألا تلحقه من بعد خروجه من السجن أدنى شبهة أومظنة واستخدم فى سبيل تلك الغاية أسلحة العلم والحكمة التى آتاه الله إياها فى جوابه للملك وقد فهم الملك بخبرته وسياسته ذلك منه وتأكد من صدقه وعفته وخبرشهامته وحسن أخلاقه حتى مع الذين آذوه وظلموه ... فازداد به إعجاباً على إعجاب وقررأن يستخلصه لنفسه (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ* قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأرضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ).
لقد طلب يوسف إدارة خزائن الأرض لا لينال منفعة شخصية ويبنى قصورا ويحوى كنوزاً فقد كان يمكن له ذلك مباشرة من عرض الملك له ... لكنه وجد نفسه بما آتاه الله من علم وحكمة وأمانة الرجل المناسب فى المكان الناسب وبما يحققه تأويله النظرى لرؤيا الملك إلى تأويل وتطبيق عملى على أرض الواقع ... فيخرج بعباد الله من المخمصة والشدة إلى برالأمان وشاطئ السلامة فينفعهم الله بحسن إدارته وتصريفه للخزائن من زيادة الإنتاج وحفظ التخزين وعدل التوزيع.
(وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَلأجْرُ الآخرةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون).
َإن مشيئة الله فى رحمة من يشاء من عباده محسناً كان أم مسيئاً مطلقة وهذا من صفات رحمته وإحسانه وكرمه ... وهذا من طلاقة صفات الألوهية غيرالمقيدة بضعف أوعجزأوقصور….فالإله الحق مطلق الحرية والقدرة فى فعل ما يشاء (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ) (القصص 68).
ورحمة الله حق وعدل ليست عشوائية وعبثية (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (الأعراف 156).
لقد كان يوسف الصديق مثلاً للعبد المؤمن رافقته الرحمة الظاهرة فى الدنيا من المهد إلى اللحد (طلاقة مشيئة الله الفاعلة بجميع أسمائه الحسنى وصفاته العليا) وكل مؤمن تصحبه رحمة ظاهرة فيتذكروليقتدى بإحسان يوسف وكل متقى يجب أن يجعل قصده الأول رضا الله والجنة ... وأن يضع نصب عينيه أجرالآخرة فإنها خيروأبقى.
يتبع إن شاء الله