تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تأملوا جيداً! ان اصلب الصخور واضخمها واصمّها تلين ليونة الشمع تجاه الاوامر التكوينية، ولا تبدي اية مقاومة أو قساوة تُذكر تجاه تلك الموظفات الإلهية اي المياه الرقيقة والجذور الدقيقة والعروق اللطيفة لطافة الحرير، حتى كأنها عاشق يشق قلبه بمسٍّ من أنامل تلك اللطيفات والجميلات، فتتحول تراباً في طريقهن ..

وكذا قوله تعالى] وإنَّ منها لَمَا يهبط من خشية الله [فانه يبيّن طرفاً من حقيقة عظيمة جداً هي:

ان الجبال التي على سطح الارض، والتي تجمدت بعد ان كانت في حالة مائعة وسائلة. واصبحت كتلاً ضخمة من الصخور الصلدة، تتفتت وتتصدع، بتجليات جلالية، تتجلى على صورة زلازل وانقلابات ارضية، مثلما تناثر واصبح دكاً ذلك

الجبل الذي تجلّى عليه الرب سبحانه في طلب موسى عليه السلام رؤية الله جل جلاله.

فتلك الصخور تهبط من ذرى تلك الجبال، من خشية ظهور تجليات جلالية ورهبتها، فتتناثر اجزاؤها. فقسم منها ينقلب تراباً تنشأ منه النباتات .. وقسم آخر يبقى على هيئة صخور تتدحرج الى الوديان وتكتسح السهول فيستخدمها اهلُ الارض في كثير من الامور النافعة - كبناء المساكن مثلاً - فضلاً عن امورٍ وحكم مخفية ومنافع شتى،

فهي في سجدة وطاعة للقدرة الإلهية وانقياد تام لدساتير الحكمة الربانية.

فلا ريب ان ترك الصخور لمواضعها الرفيعة من خشية الله واختيارها الاماكن الواطئة في تواضع جم، وتسببها لمنافع جليلة شتى، أمر لا يحدث عبثاً ولا سدىً وهو ليس مصادفة عمياء ايضاً، بل هو تدبير رب قدير حكيم يحدثه بانتظام وحكمة وإن بدا في غير انتظام في ظاهر الأمر.

والدليل على هذا الفوائد والمنافع التي تجنى من تفتت الصخور ويشهد عليه شهادة لا ريب فيها كمال الانتظام وحسن الصنعة للحلل التي تخلع على الجبال التي تتدحرج منها الصخور، والتي تزدان بالازاهير اللطيفة والثمرات الجميلة والنقوش البديعة.

وهكذا رأيتم كيف أن هذه الآيات الثلاث لها اهميتها العظيمة من زاوية الحكمة الإلهية.

والآن تدبروا في لطافة بيان القرآن العظيم وفي اعجاز بلاغته الرفيعة، كيف يبين طرفاً وجزءاً من هذه الحقائق الثلاث المذكورة، وهي حقائق جليلة وواسعة جداً، يبينها في ثلاث فقرات وفي ثلاث حوادث مشهورة مشهودة، وينبه الى ثلاث حوادث اخرى لتكون مدار عبرة لأولى الالباب ويزجرهم زجراً لا يقاوم.

فمثلاً: يشير في الفقرة الثانية] وإنّ منها لما يشّقّق فيخرجُ منه الماءُ [الى الصخرة التي انشقت بكمال الشوق تحت ضرب عصا موسى فانبجست منها اثنتا عشرة عيناً، وفي الوقت نفسه يورد الى الذهن هذا المعنى ويقول:

يا بنى اسرائيل! ان الصخور الضخمة تتشتت وتتشقق وتلين تجاه معجزة واحدة من معجزات سيدنا موسى عليه السلام وتذرف الدموع كالسيل من خشيتها أو من سرورها

فكيف تتمردون تجاه معجزات موسى عليه السلام كلها، ولا تدمع اعينكم بل تجمد وتغلظ قلوبكم وتقسو.

ويذكّر في الفقرة الثالثة:] وانّ منها لَمَا يهبط من خشية الله [تلك الحادثة الجليلة التي حدثت في طورسيناء، اثناء مناجاة سيدنا موسى عليه السلام. تلك هي التجلي الإلهي الاعظم الى الجبل وجعله دكاً حتى تفتت وتناثر في الارجاء من خشيته سبحانه. ويرشد في الوقت نفسه الى معنى كهذا:

يا قوم موسى (عليه السلام) كيف لا تتقون الله ولا تخشونه، فالجبال الشاهقة التي هي صخور صلدة تتصدع من خشيته وتتبعثر، وفي الوقت الذي ترون انه قد أخذ الميثاق منكم برفع جبل الطور فوقكم، مع مشاهدتكم وعلمكم تشقق الجبل في حادثة الرؤية الجليلة، فكيف تجرأون ولا ترتعد فرائصكم من خشيته سبحانه، بل تغلظ قلوبكم؟.

ويذكّر في الفقرة الاولى] وإنّ من الحجارة لَمَا يتفجر منه الانهارُ [مشيراً الى أنهار كالنيل ودجلة والفرات النابعة من الجبال ويعلّم في الوقت نفسه مدى نيل تلك الاحجار للطاعة المعجزة والانقياد الخارق تجاه الاوامر التكوينية ومدى كونها مسخّرة لها. فيورث بهذا التعليم القلوب المتيقظة هذا المعنى:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير