لذا فالقرآن الكريم الذي يخاطب البشرية قاطبة لم يهمل هذا الجانب من حياة البشر،
بل قد أشار الى تلك الخوارق العلمية من جهتين:
الجهة الاولى: اشار اليها عند اشارته الى معجزات الانبياء عليهم السلام.
الجهة الثانية: اشار اليها عند سرده بعض الحوادث التاريخية.
فعلى سبيل المثال: فقد اشار الى القطار في الآيات الكريمة الآتية:
] قُتلَ اصحابُ الاخدود ^ النارِ ذاتِ الوَقُودِ ^ اذ هُم عليها قُعودٌ^ وهُم على ما يفعلونَ بالمؤمنينَ شُهودٌ^ وما نَقَموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيزِ الحميد [. (1)
وايضاً:
] في الفُلك المشحون ^ وخَلقنا لهم مِن مثلِهِ ما يَركبون [
والآية الكريمة الآتية ترمز الى الكهرباء علاوة على اشارتها الى كثير من الأنوار والاسرار:
] الله نورُ السمواتِ والارض مثلُ نورهِ كمشكوةٍ فيها مصباحٌ المصباحُ في زجاجةٍ الزجاجُة كأنها كوكبٌ درّيٌّ يوقَدُ مِن شجرةٍ مُباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيٍة ولا غربيةٍ يكادُ زيتُها يُضيء ولو لم تمسسهُ نارٌ نورٌ على نورٍ يهدى الله لنوره مَن يشاءُ [(2)
ولما كان الكثيرون من الفضلاء قد انصرفوا الى هذا القسم، وبذلوا جهوداً كثيرة في توضيحه علماً ان القيام ببحثه يتطلب دقة متناهية ويستدعي بسطاً للموضوع اكثر من هذا وايضاحاً وافياً. فضلاً عن وجود أمثلة وفيرة عليه، لذا لا نفتح هذا الباب، ونكتفي بالآيات المذكورة.
اما القسم الاول الذي يشير الى تلك الاختراعات الشبيهة بالخوارق ضمن اشارات القرآن الى معجزات الانبياء .. سنذكر نماذج منه.
المقدمة:
يبيّن القرآن الكريم ان الانبياء عليهم السلام قد بُعثوا الى مجتمعات انسانية ليكونوا لهم ائمة الهدى يُقتدى بهم، في رقيهم المعنوي.
ويبين في الوقت نفسه ان الله قد وضع بيد كلٍ منهم معجزة مادية، ونَصَبهم روّاداً للبشرية واساتذة لها في تقدمها المادي ايضاً.
أي انه يأمر بالاقتداء بهم واتباعهم اتباعاً كاملاً في الامور المادية والمعنوية؛ اذ كما يحض القرآنُ الكريم الانسانَ على الاستزادة من نور الخصال الحميدة التي يتحلى بها الانبياء عليهم السلام، وذلك عند بحثه عن كمالاتهم المعنوية، فانه عند بحثه عن معجزاتهم المادية ايضاً يومئ الى إثارة شوق الانسان ليقوم بتقليد تلك المعجزات التي في ايديهم، ويشير الى حضّه على بلوغ نظائرها،
بل يصح القول:
إن يد المعجزة هي التي أهدت الى البشرية الكمال المادي وخوارقه لأول مرة، مثلما أهدت اليها الكمال المعنوي.
فدونك سفينة نوح عليه السلام وهي احدى معجزاته، وساعة يوسف عليه السلام، وهي احدى معجزاته. فقد قدمتهما يدُ المعجزة لاول مرة هدية ثمينة الى البشرية.
وهناك اشارة لطيفة الى هذه الحقيقة، وهي اتخاذ أغلب الصناع نبياً من الانبياء رائداً لصنعتهم وقطباً لمهنتهم. فالملاحون - مثلاً - اتخذوا سيدنا نوحاً عليه السلام رائدهم والساعاتيون اتخذوا سيدنا يوسف عليه السلام امامهم، والخياطون اتخذوا سيدنا ادريس عليه السلام مرشدهم ..
ولما كان العلماء المحققون من أهل البلاغة قد اتفقوا جميعاً ان لكل آية كريمة وجوهاً عدة للارشاد، وجهات كثيرة للهداية،
فلا يمكن اذاً ان تكون أسطع الآيات وهي آيات المعجزات، سرداً تاريخياً، بل لابد انها تتضمن ايضاً معاني بليغة جمة للارشاد والهداية.
نعم، ان القرآن الكريم بايراده معجزات الانبياء إنما
يخط الحدود النهائية لأقصى ما يمكن ان يصل اليه الانسان في مجال العلوم والصناعات، ويشير بها الى أبعد نهاياتها،
وغاية ما يمكن ان تحققه البشرية من أهداف، فهو بهذا يعيّن أبعد الاهداف النهائية لها ويحددها، ومن بعد ذلك يحث البشرية ويحضّها على بلوغ تلك الغاية، ويسوقها اليها. اذ كما ان الماضي مستودع بذور المستقبل ومرآة تعكس شؤونه، فالمستقبل ايضاً حصيلة بذور الماضي ومرآة آماله.
وسنبين بضعة نماذج مثالاً، من ذلك النبع الفياض الواسع:
C فمثلاً:] ولسليمنَ الريح غدوّها شهرٌ ورَواحُها شهرٌ [.
هذه الآية الكريمة تبين معجزة من معجزات سيدنا سليمان عليه السلام.
وهي تسخير الريح له، أي أنه قد قطع في الهواء ما يقطع في شهرين في يوم واحد.
فالآية تشير الى ان الطريق مفتوح امام البشر لقطع مثل هذه المسافة في الهواء.
فيا ايها الانسان! حاول ان تبلغ هذه المرتبة، واسعَ للدنو من هذه المنزلة ما دام الطريق ممهداً أمامك.
¥