ـ[خلوصي]ــــــــ[04 Jun 2010, 02:01 م]ـ
C ومثلاً:
] قالَ الذي عندهُ علمٌ ِمن الكتابِ أنا اتيكَ به قبلَ أن يرتدّ اليكَ طرفُكَ فلما رآهُ مستقراً عندهُ .. [
فهذه الآية تشير الى ان احضار الاشياء من مسافات بعيدة - عيناً أو صورة - ممكن، وذلك بدلالتها على تلك الحادثة الخارقة التي وقعت في ديوان سيدنا سليمان عليه السلام، عندما قال أحد وزرائه الذي اوتي علماً غزيراً في ((علم التحضير)): انا اتيك بعرش بلقيس.
ولقد آتى الله سبحانه سيدنا سليمان عليه السلام المُلك والنبوة معاً، واكرمه بمعجزة يتمكن بها من الاطلاع المباشر بنفسه وبلا تكلف ولا صعوبة على احوال رعاياه، ومشاهدة اوضاعهم، وسماع مظالمهم. فكانت هذه المعجزة مناط عصمته وصونه من الشطط في امور الرعية. وهي وسيلة قوية لبسط راية العدالة على ارجاء المملكة.
فمن يعتمد على الله سبحانه اذاً ويطمئن اليه، ويسأله بلسان استعداداته وقابلياته التي فُطر عليها، وسار في حياته على وفق السنن الإلهية والعناية الربانية، يمكن ان تتحول له الدنيا الواسعة كأنها مدينة منتظمة امامه كما حدث لسليمان عليه السلام الذي طلب بلسان النبوة المعصومة إحضار عرش بلقيس فأحضر في طرفة عين وصار ماثلاً امامه - بعينه أو بصورته - في بلاد الشام بعد ان كان في اليمن. ولاشك ان أصوات رجال الحاشية الذين كانوا حول العرش قد سُمعتْ مع مشاهدة صورهم.
فهذه الآية تشير إشارة رائعة إلى إحضار الصور والأصوات من مسافات بعيدة. فالآية تخاطب:
«ايها الحكام! ويا من تسلمتم امر البلاد! ان كنتم تريدون ان تسود العدالة انحاء مملكتكم، فاقتدوا بسليمان - عليه السلام - واسعَوا مثله الى مشاهدة ما يجري في الارض كافة، ومعرفة ما يحدث في جميع ارجائها. فالحاكم العادل الذي يتطلع الى بسط راية العدالة في ربوع البلاد، والسلطان الذي يرعى شؤون ابناء مملكته، ويشفق عليهم، لا يصل الى مبتغاه إلا اذا استطاع الاطلاع - متى شاء - على أقطار مملكته. وعندئذٍ تعم العدالة حقاً، وينقذ نفسه من المحاسبة والتبعات المعنوية.
فالله سبحانه يخاطب بالمعنى الرمزي لهذه الآية الكريمة:
يا بني آدم! لقد آتيتُ عبداً من عبادي حُكمَ مملكة واسعة شاسعة الارجاء، ومنحته الاطلاع المباشر على احوال الارض واحداثها ليتمكن من تطبيق العدالة تطبيقاً كاملاً، ولما كنتُ قد وهبت لكل انسان قابلية فطرية ليكون خليفة في الأرض، فلا ريب أنى قد زوّدتُه - بمقتضى حكمتي - ما يناسب تلك القابلية الفطرية من مواهب واستعدادات يتمكن بها من ان يشاهد الارض بأطرافها ويدرك منها ما يدرك. وعلى الرغم من أن الانسان قد لا يبلغ هذه المرتبة بشخصه الا انه يتمكن من بلوغها بنوعه. وان لم يستطع بلوغها مادياً، فانه يبلغها معنوياً - كما يحصل للاولياء الصالحين - فباستطاعتكم اذاً الاستفادة من هذه النعمة الموهوبة لكم. فسارعوا الى العمل الجاد واسعوا سعياً حثيثاً كي تحوّلوا الارض الى ما يشبه حديقة صغيرة غنّاء، تجولون فيها وترون جهاتها كلها وتسمعون احداثها واخبارها من كل ناحية منها غير ناسين وظيفة عبوديتكم. تدبروا الآية الكريمة:
] هوَ الذي جعلَ لكمُ الارضَ ذلولاً فامشوا في مناكِبها وكُلوا مِن رزقه واليه النشور [
وهكذا نرى كيف تومئ الآية الكريمة المتصدرة لهذا المثال الى إثارة همة الإنسان، وبعث اهتماماته لاكتشاف وسيلة يستطيع بها إحضار الصور والأصوات من أبعد الاماكن وأقصاها ضمن أدق الصناعات البشرية.