تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأقول: ليس هذا القول مثل ما يكثر أن يقولوه في بضع آيات من عدة سور: أنها نزلت في غير البلد الذي نزل فيه أكثر السورة المستثنى منها، بل أرادوا أن كثيرا منها مكي وأن مثله أو يقاربه مدني، وأنه لا يتعين ما هو مكي منها وما هو مدني ولذلك عبروا بقولهم: هي مختلطة. قال ابن عطية: روي عن أنس بن مالك أنه قال: نزل أول السورة في السفر فنادى رسول الله بها فاجتمع إليه الناس وساق الحديث الذي سيأتي. يريد ابن عطية أن نزولها في السفر يقتضي أنها نزلت بعد الهجرة. ويشبه أن يكون أولها نزل بمكة فإن افتتاحها بـ (يا أيها الناس) جار على سنن فواتح السور المكية. وفي أساليب نظم كثير من آياتها ما يلائم أسلوب القرآن النازل بمكة. ومع هذا فليس الافتتاح بـ (يا أيها الناس) بمعين أن تكون مكية، وإنما قال ابن عباس (يا أيها الناس) يراد به المشركون. ولذا فيجوز أن يوجه الخطاب به إلى المشركين في المدينة في أول مدة حلول النبيء - صلى الله عليه وسلم - بها، فإن قوله إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام يناسب أنه نزل بالمدينة حيث صد المشركون النبيء والمؤمنين عن البقاء معهم بمكة. وكذلك قوله أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق فإنه صريح في أنه نزل في شأن الهجرة.

روى الترمذي بسنده عن ابن عباس قال: لما أخرج النبيء من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيئهم ليهلكن فأنزل الله أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، وكذلك قوله والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا ففيه ذكر الهجرة وذكر من يقتل من المهاجرين وذلك مؤذن بجهاد متوقع كما سيجيء هنالك.

وأحسب أنه لم تتعين طائفة منها متوالية نزلت بمكة ونزل ما بعدها بالمدينة بل نزلت آياتها متفرقة. ولعل ترتيبها كان بتوقيف من النبيء - صلى الله عليه وسلم - ومثل ذلك كثير. وقد قيل في قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم أنه نزل في وقعة بدر، لما في الصحيح عن علي وأبي ذر: أنها نزلت في مبارزة حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث مع شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر وكان أبو ذر يقسم على ذلك. ولذلك فأنا أحسب هذه السورة نازلا بعضها آخر مدة مقام النبيء - صلى الله عليه وسلم - بمكة كما يقتضيه افتتاحها بـ (يا أيها الناس) فقد تقرر أن ذلك الغالب في أساليب القرآن المكي، وأن بقيتها نزلت في مدة مقام النبيء - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة. وروى الترمذي وحسنه وصححه عن ابن أبي عمر، عن سفيان عن ابن جدعان، عن الحسن، عن عمران بن حصين أنه لما نزلت على النبيء - صلى الله عليه وسلم - يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم إلى قوله ولكن عذاب الله شديد. قال: أنزلت عليه هذه وهو في سفر؟ فقال: " أتدرون؟ " وساق حديثا طويلا. فاقتضى قوله: أنزلت عليه وهو في سفر، أن هذه السورة أنزلت على النبيء - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة فإن أسفاره كانت في الغزوات ونحوها بعد الهجرة. وفي رواية عنه أن ذلك السفر في غزوة بني المصطلق من خزاعة وتلك الغزوة في سنة أربع أو خمس، فالظاهر من قوله " أنزلت وهو في سفر " أن عمران بن حصين لم يسمع الآية إلا يومئذ فظنها أنزلت يومئذ فإن عمران بن حصين ما أسلم إلا عام خيبر وهو عام سبعة، أو أن أحد رواة الحديث أدرج كلمة أنزلت عليه وهو في سفر في كلام عمران بن حصين ولم يقله عمران. ولذلك لا يوجد هذا اللفظ فيما روى الترمذي وحسنه وصححه أيضا عن محمد ابن بشار، عن يحيى بن سعيد عن هشام بن أبي عبد الله عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين قال: كنا مع النبيء في سفر فرفع صوته بهاتين الآيتين يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم إلى قوله ولكن عذاب الله شديد إلى آخره. فرواية قتادة عن الحسن أثبت من رواية ابن جدعان عن الحسن، لأن ابن جدعان واسمه علي بن زيد قال فيه أحمد وأبو زرعة: ليس بالقوي. وقال فيه ابن خزيمة: سيء الحفظ، وقد كان اختلط فينبغي عدم اعتماد ما انفرد به من الزيادة. وروى ابن عطية عن أنس بن مالك أنه قال: أنزل أول هذه السورة على رسول الله في سفر. ولم يسنده ابن عطية."

ونخلص من هذا إلى أن الجابري قد بنى حكمه على أمر محتمل من أول الطريق، بل على أمر هو أقرب إلى الوهم من غيره.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[17 May 2010, 11:40 م]ـ

حوار ممتع، وفكرة الموضوع قيمة أشكر أخي الدكتور عبدالرحمن الصالح عليها، وهي فرصة طيبة لمناقشة الأفكار التي كتبها الدكتور محمد الجابري، والخروج بنتائج مفيدة في هدوء. وقد أعجبني طرح الدكتور عبدالرحمن الصالح وتعقيبات الزملاء الفضلاء وخاصة الأخ محمود البعداني الذي يكتب رسالته للدكتوراه في موضوع ذي صلة بالجابري. وأرجو أن نستمتع بالحوار إن شاء الله ونستفيد أدباً وعلماً، وأرجو أن يخلو الحوار من المفاجآت والحدة التي تذهب بهاء الحوارات.

أسأل الله لكم التوفيق والسداد، وأن يهدينا جميعاً للحق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير