- وسور خاليات من ناسخ ومنسوخ، وهي عندهم ثلاث وأربعون هي: الفاتحة ويوسف ويس والحجرات والرحمن والحديد والصف والجمعة والتحريم والملك والحاقة ونوح والجن والمرسلات والنبأ والنازعات والانفطار والمطففين والانشقاق والبروج والفجر والبلد والشمس والليل والضحى والشرح والقلم والقدر والانفكاك والزلزلة والعاديات والقارعة والتكاثر والهمزة والفيل وقريش والكافرون والكوثر والنصر والمسد والإخلاص والفلق والناس.
وفي مقابل هذا الغلو في توظيف مقولة النسخ حاول علماء مبرزون حصر النسخ في حدود. منهم الفقيه ابن الجوزي الذي ألف كتابا في النسخ سماه: "نواسخ القرآن" عرض فيه تلك التصانيف وعلق عليها بقوله: "قلت: واضح بأن التحقيق في الناسخ والمنسوخ يظهر أن هذا الحصر تخريف من الذين حصروه". ثم أخذ يستعرض الآيات التي ادُّعِي فيها النسخ وانتهى إلى حصر "المنسوخة" في آيات قليلة العدد والتمس للباقي تفسيرا باعتماد مقولة العام والخاص الخ.
أما الشاطبي فهو وإن كان لا يضرب صفحا عن مقولة "النسخ" كليا فإنه يقلص مفعولها ومداها إلى مستوى "النادر" من الأشياء. وذلك لعدة اعتبارات يذكرها:
- منها "أن غالب ما ادعي فيه النسخ إذا تأمل وجدته متنازعا فيه ومحتملا، وقريبا من التأويل بالجمع بين الدليلين على وجه من كون الثاني بيانا لمجمل أو تخصيصا لعموم أو تقييدا لمطلق وما أشبه ذلك من وجوه الجمع، مع البقاء على الأصل من الإحكام في الأول والثاني".
- ومنها "أن تحريم ما هو مباح بحكم الأصل ليس بنسخ عند الأصوليين كالخمر والربا فإن تحريمهما بعد ما كانا على حكم الأصل لا يعد نسخا لحكم الإباحة الأصلية". ومن هذا القبيل أنهم "قد كانوا في الصلاة يكلم بعضهم بعضا إلى أن نزل "وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ" (البقرة 238)، وأنهم كانوا يلتفتون في الصلاة إلى أن نزل "الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (المؤمنون 2). قالوا (يعني المفسرين والأصوليين) وهذا إنما نسخ أمرا كانوا عليه. وأكثر القرآن على ذلك. معنى هذا أنهم كانوا يفعلون ذلك بحكم الأصل من الإباحة، فهو مما لا يعد نسخا، وهكذا كل ما أبطله الشرع من أحكام الجاهلية". ويضيف الشاطبي قائلا: "فإذا اجتمعت هذه الأمور ونظرت إلى الأدلة من الكتاب والسنة لم يتخلص في يدك من منسوخها إلا ما هو نادر".
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يقرر الشاطبي أن القواعد الكلية من الضروريات والحاجيات والتحسينيات لم يقع فيها نسخ، وإنما وقع النسخ في أمور جزئية بدليل الاستقراء، فإن كل ما يعود بالحفظ على الأمور الخمسة (النفس والعقل والنسل والمال والدين) ثابت. وإن فرض نسخ بعض جزئياتها فذلك لا يكون إلا بوجه آخر من الحفظ، وإن فرض النسخ في بعضها إلى غير بَدَل فأصل الحفظ باق، إذ لا يلزم من رفع بعض أنواع الجنس رفع الجنس".
هذا وقد تتبع السيوطي ما قالوا عنه إنه منسوخ وهو أكثر من 500 آية، وانتهى إلى أن عدد المنسوخ هو 21 آية فقط. وجاء بعد، من المحدثين والمعاصرين، من راجع لائحة السيوطي، فبعضهم حصر النسخ في خمس آيات فقط، بينما أثبت آخرون أن تلك الآيات الخمس نفسها لا نسخ فيها.
على أن هذه الآراء التي تُقلص من عدد الناسخ والمنسوخ في القرآن إلى درجة "الصفر" تعترف –ضمنيا على الأقل- بوقوع أو إمكانية وقوع النسخ في القرآن. ذلك لأنها إنما تعتمد في ما تقرره على نوع من التأويل للآيات التي وضعها آخرون تحت طائلة النسخ. وواضح أن تأويل مضمون آية من الآيات على نحو يحررها من طائلة النسخ لا يغلق الباب أمام تأويلات أخرى تجعلها ناسخة أو منسوخة. إن حل مشكلة "النسخ" لا يكون نهائيا ما لم ينطلق من القرآن نفسه. فإذا نحن استطعنا إثبات أن لا دليل في القرآن على وقوع النسخ في نصوصه، صار بإمكاننا حل المشكل من أساسه.
نحن ندرك أن هذا لن يكون سهلا على الذين لا زاد لهم إلا الأفكار المتلقاة، ومع ذلك فأملنا أن لا يسارعوا إلى ارتكاب الأخطاء.
الأخ الكريم نور الدين نوّرتم المجلس بحضوركم الكريم
ونشكر لكم إيراد النص أعلاه، فهو يُدحِض ما وقع فيه بعضُ الناس من سوء فهم لطرح المغفور
له، ولا سيما النص الأحمر فهو يبيّن أن المغفور له يعدّ الروايات التي تدّعي أو توحي بوقوع النقص
¥