في القرآن من التاريخ الذي لا يثق به الأستاذ كثيراً، فهو يقول إنها من التاريخ وليست من القرآن
الكامل المحفوظ بين دفتي المصحف. وأما ما صدّرتم به المقال من قولكم (خارجين عن منهج
أهل السنة) فهذا في نظرنا ليس سُبة لأن الأستاذ قد بين في كتبه أن الحديث عن أهل سنة في القرن
الثاني قول يحتاج تحقيقا لأن العلماء والفقهاء كانوا منتمين إلى اتجاهات سياسية مختلفة، وأنهم
تيار بدأ يتشكل على الزمان، وقد سبق لأخيك أن بين أن من المضحك أو اللامنطقي أن نريد من
أستاذ متمرس في الفلسفة أن يكون سُنيًّا فقط، بل نكتفي منه أن يكون مسلما. وبوحيٍ من ابن حزم
الكبير ومن تحليلات الجابري دعا أخوك كاتب هذه السطور إلى (مذهب الأمة) الذي يشمل أهل السنة
والمعتزلة والزيدية والإباضية، أي جميع المسلمين الذين يقصرون الاتصال بالملأ الأعلى على (رسول الله)
فقط، لأن هذا هو الأصلح لنا ولعصر الاتصالات، التي سهلت فهم الناس لبعضهم. وعسى أن يُصبح
صُنّاع القرار بمستوى المثقفين كالجابري فيتبنوا مذهب الأمة وهو ما اتفق عليه المسلمون من
(أهل السنة والمعتزلة والزيدية) ويكون الخارج عن مذهب الأمة مخالفاً للقانون، وإذا تم ذلك أصبح
للأمة مستقبل لأن أحادية النظرة التي يقودها التجزيئيون بحجة "الفرقة الناجية" أو "العقيدة الصحيحة"
أمر أثبت أنه يثير من المشاكل أكثر مما يحُلّ. كما أنه يصبُّ في صالح المذاهب والفرق المستقلة عن
الأمة والتي بدأت تكشر عن أنيابها ثقافيا وسياسيا.
ويطيب لي أن ألتمس منكم هنا أن نرجئ الحديث عن قضية جمع القرآن االتي كتب فيها الأستاذ
وأتى فيها بآراء جيدة لكنها ضاعت في حومة حساسية الموضوع الذي جلب عليه سخط الناس،
بل أقول إنه صنع حاجزا نفسيا بين كثير من إخوتنا طلبة العلم وبين كتابات المغفور له التي ــ من
وجهة نظرنا المتواضعة ــ لا غنى عنها لطالب علم في مراحله المتقدمة إذا كان يريد أن يكون
ابن عصره وليس منزويا خارج التاريخ والتفكير المفيد.
نحن هنا قد اتفقنا على أن نناقش آراء المغفور له في كتبه ذات الصلة بقضايا هي من صميم مقاصد
ملتقى أهل التفسير كتفسيره الذي ختم بنشره حياته العلمية، وكالكتاب الذي كشف فيه عن الأسباب
السياسية لمحنة خلق القرآن التي امتصت طاقات الأمة لألف سنة مما تعدون، أعني "المثقفون في
الحضارة العربية". وإن كان شيخ الإسلام ابن تيمية قد سبقه إلى ذلك بتقريب الهوة بين أهل السنة
والمعتزلة حين قرر أن "القرآن محدث"، وإذا كان المعتزلة يعنون بمخلوق "محدث"، فقد أصبحت
المسألة خلافا لفظيا، وقديما قالوا "لا مشاحة في الاصطلاح".
وعسى أن تراجعوا الحوارات السالفة لتشاركونا التفكير حسب الخطة في مناقشة آراء المغفور له،،
ونحن الآن نناقش مقالا له عن الولاء والبراء، حيث قرر فيه أن الحكم الشرعي للعلاقة مع الغير هو
على غير ما سار عليه التاريخ من المفاصلة والعداء بل إنه يفرق بين الواء السياسي والانفتاح الفكري
للإسلام الذي يتماهى مع الغير في قضية التوحيد، ويشرفنا أن تعيدوا معنا قراءة الموضوع لنتفق أو
نختلف مع الكاتب فيما قرره. فهل أسقط عقلانيته المنفتحة، ونزعته الإنسانية على النص أم أنّ
هذا فعلا هو مراد النص؟
وتعلمون أن الوحدة الكبرى لنقل المعنى كانت هي الجملة في النحو القديم والفكر القديم على السواء،
على حين أنه في العصر الحديث ـــ وكما قررته البنيوية فيما بعد ــ أن الوحدة الكبرى للمعنى هي النص
بكامله وأن الأجزاء هي مكونات للمعنى سواء كانت جملا أو فقرات ... وإن كان أبو القاسم الزمخشري
رحمه الله يعدُّ أول من فصل القول بأن النص هو وحدة المعنى الحقيقية وذلك بتأكيده على العلاقات
بين الجمل وعد الروابط بينها ذات أهمية في تشكيل المعنى كأهمية الجمل ذاتها. وهذا سبق عالمي
للزمخشري ما نشك فيه. ولعل هذا ما حدا بالأستاذ الجابري أن يقرر أن مصدري علم التفسير الرئيسين
هما تفسير الطبري والزمخشري حصراً.
والسلام عليكم
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[18 May 2010, 02:40 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد: فهذه محاولة لتوزيع هذا المقال للدكتور الجابري رحمه الله إلى نقاط وتساؤلات، ربما تعين من أراد أن يحاور أستاذنا الصالح في محتويات المقال، وهذه النقاط التي كتبتها عند قراءة المقال:
¥