تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التضليل نصحا للقراء و تحذيرا، فمعذرة إليهم. هذا و لا يهولنك اشتهار هذا الحديث عن علماء الأصول، و احتجاجهم به في إثبات القياس، فإن أكثرهم لا معرفة عندهم بالحديث و رجاله، و لا تمييز لديهم بين صحيحه و سقيمه، شأنهم في ذلك شأن الفقهاء بالفروع، إلا قليلا منهم، و قد مر بك كلام إمام الحرمين في هذا الحديث - و هو من هو في العلم بالأصول و الفروع، فماذا يقال عن غيره ممن لا يساويه في ذلك بل لا يدانيه، كما رأت نقد الحافظ ابن طاهر إياه، ثم الحافظ ابن حجر من بعده، مع إنكاره على ابن طاهر سوء تعبيره في نقده. ثم وجدت لكل منهما موافقا، فقد نقل الشيخ عبد الوهاب السبكي في ترجمة الإمام من " طبقاته " عن الذهبي أنه قال فيه: " و كان أبو المعالي مع تبحره في الفقه و أصوله، لا يدري الحديث! ذكر في كتاب " البرهان " حديث معاذ في القياس فقال: هو مدون في " الصحاح " متفق على صحته. كذا قال، و أنى له الصحة، و مداره على الحارث بن عمرو و هو مجهول، عن رجال من أهل حمص لا يدري من هم؟ عن معاذ ". ثم تعقبه السبكي بنحو ما سبق من تعقب الحافظ لابن طاهر، و لكنه دافع عنه بوازع من التعصب المذهبي، لا فائدة كبرى من نقل كلامه و بيان ما فيه من التعصب، فحسبك أن تعلم أنه ذكر أن الحديث رواه أبو داود الترمذي، و الفقهاء لا يتحاشون من إطلاق لفظ " الصحاح " عليها. فكأن السبكي يقول: فللإمام أسوة بهؤلاء الفقهاء في هذا الإطلاق! فيقال له: أولو كان ذلك أمرا منكرا عند العلماء بالحديث؟! وفي الوقت نفسه فقد تجاهل السبكي قول الإمام في الحديث " متفق على صحته "، فإنه خطأ محض لا سبيل إلى تبريره أو الدفاع عنه بوجه من الوجوه، و لذلك لم يدندن السبكي حوله و لو بكلمة. و لكنه كان منصفا حين اعترف بضعف الحديث، و أن الإمام صحح غيره من الأحاديث الضعيفة فقال: " و ما هذا الحديث وحده ادعى الإمام صحته و ليس بصحيح، بل قد ادعى ذلك في أحاديث غيره، و لم يوجب ذلك عندنا الغض منه ". و أقول أخيرا: إن وصف الرجل بما فيه ليس من الغض منه في شيء، بل ذلك من باب النصح للمسلمين، و بسبب تجاهل هذه الحقيقة صار عامة المسلمين لا يفرقون بين الفقيه و المحدث، فيتوهمون أن كل فقيه محدث، ويستغربون أشد الاستغراب حين يقال لهم الحديث الفلاني ضعيف عند المحدثين و إن احتج به الفقهاء، و الأمثلة على ذلك كثيرة جدا، تجدها مبثوثة في تضاعيف هذه " السلسلة "، و حسبك الآن هذا الحديث الذي بين يديك. و جملة القول أن الحديث لا يصح إسناده لإرساله، و جهالة راويه الحارث بن عمرو، فمن كان عنده من المعرفة بهذا العلم الشريف، و تبين له ذلك فبها، و إلا فحسبه أن يستحضر أسماء الأئمة الذين صرحوا بتضعيفه، فيزول الشك من قلبه، و ها أنها ذا أسردها و أقربها إلى القراء الكرام: 1 - البخاري. 2 - الترمذي. 3 - العقيلي. 4 - الدارقطني. 5 - ابن حزم. 6 - ابن طاهر. 7 - ابن الجوزي. 8 - الذهبي. 9 - السبكي 10 – ابن حجر كل هؤلاء - و غيرهم ممن لا نستحضرهم - قد ضعفوا هذا الحديث، و لن يضل بإذن الله من اهتدى بهديهم، كيف و هم أولى الناس بالقول المأثور: " هم القوم لا يشقى جليسهم ". هذا و لما أنكر ابن الجوزي صحة الحديث أتبع ذلك قوله: " وإن كان معناه صحيحا " كما تقدم. فأقول: هو صحيح المعنى فيما يتعلق بالاجتهاد عند فقدان النص، و هذا مما لا خلاف فيه، و لكنه ليس صحيح المعنى عندي فيما يتعلق بتصنيف السنة مع القرآن و إنزاله إياه معه، منزلة الاجتهاد منهما. فكما أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب و السنة، فكذلك لا يأخذ بالسنة إلا إذا لم يجد في الكتاب. و هذا التفريق بينهما مما لا يقول به مسلم بل الواجب النظر في الكتاب و السنة معا و عدم التفريق بينهما، لما علم من أن السنة تبين مجمل القرآن، و تقيد مطلقه، و تخصص عمومه كما هو معلوم. و من رام الزيادة في بيان هذا فعليه برسالتي " منزلة السنة في الإسلام و بيان أنه لا

يستغنى عنها بالقرآن ". و هي مطبوعة، و هي الرسالة الرابعة من " رسائل الدعوة السلفية ". و الله ولي التوفيق.


[1] انظر " مقالات الكوثري " (ص 309)، و " شروط الأئمة الخمسة " (ص 45).
[2] و لا يفوتني التنبيه على أن الحديثين المذكورين صحيحان رغم أنف الكوثري، وتعصبه المذهبي، و هما مخرجان في " إرواء الغليل " (2606 و 1955). اهـ.

ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[02 Jun 2010, 01:30 ص]ـ
عفوًا؛ لقد سرد الشيخ الألباني أسماء موافقيه من المتقدمين غير الإمام ابن حزم، ولعلكم تتفضلون - مشكورين غير مأمورين - بمراجعة سبب التضعيف إن أمكن هذا.
نعم، الأصوليون يعتمدون الحديث ويبنون عليه ولكن الخلاف في ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ما أسأل عنه.

سلام الله عليكم - أخي الكريم -
قد تجدون بياناً لذلك في الحلقة رقم (18) من المشاركة المعنونة بـ:
((استدراكات القاضي محمد كنعان على ابن كثير رحمه الله في تفسيره ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=14366) ))
http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=14366
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير