تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

their first protectors, weary of them, no longer give them any assistance".

وبالمثل تبدى المستشرقة الإيطالية لورا فيشيا فاجلييرى إعجابها بما أعطاه الإسلام للمرأة فى ذلك الوقت المبكر من حقوق كحقها فى الإرث، وحقها فى القبول أو الرفض لمن يتقدم طالبا يدها، وحقها فى احترام زوجها إياها، وحقها فى الحصول على مهر، وحقها فى إعالة قرينها لها حتى لو كانت غنية، وحقها فى التملك وفى إدارة ما تملكه إدارة مباشرة بنفسها لأنها كائن بشرى كامل الأهلية القانونية. أما بالنسبة إلى الحجاب فتنفى فاجلييرى أن يكون المقصود به تقييد حرية المرأة أو إهانتها، مؤكدة على العكس من ذلك أن الهدف من ورائه تجنيب الرجال فتنة الخلاعة، وحماية المرأة من شهوات الرجال، وهو ما جعل تجارة البغاء المنظمة مجهولة تماما في البلدان الإسلامية كما تقول، إلا حيثما كان للأجانب سلطان. ثم تُرْدِف قائلة إنه إذا كان أحد لا يستطيع أن ينكر قيمة هذه المكاسب فيتعين علينا أن نستنتج أن الحجاب كان مصدر فائدة لا تقدر بثمن للمجتمع الإسلامي (انظر كتابها: "دفاع عن الإسلام"/ ترجمة منير البعلبكى/ دار العلم للملايين/ 106)

وقد لاحظت أن فى البحث الذى نحن بصدده خبطا كثيرا يتبدى، ضمن ما يتبدى، فى اقتطاف عبارة من هنا أو ههنا ولَىّ رقبتها كى تنظر فى الاتجاه الذى يريده الباحث، مما لا صلة بينه وبين المنهج العلمى الصحيح رغم تكرار الحديث فيه عن وجوب اصطناع المناهج البحثية الحديثة فى سبيل الوصول إلى الحقيقة. وهو مثال صارخ على ما أقوله دائما من أن العبرة ليست فى الاستعانة بهذا المنهج أو ذاك، بل أولا وقبل كل شىء بإخلاص الباحث ونقاء غرضه وحرصه على أن يبذل كل ما لديه من جهد لبلوغ الحقيقة، إذ إن المنهج، أى منهج، لا يتحدث من تلقاء نفسه، بل نحن الذين ننطقه: فإن كنا نريد الحق فإننا سوف نجتهد غاية الاجتهاد فى درك هذا الحق دون أن نتدخل فى فرض رؤيتنا على الواقع. أما إن كان الأمر بخلاف هذا فلن نألو جهدا فى سبيل تقويل النصوص ما لم تقله ولا يمكن أن تقوله، فضلا عن أنه سوف يتم التركيز قبل ذلك على نصوص بعينها وإهمال نصوص أخرى من شأنها، لو أوردناها، أن تفضح تحيزنا وتعصبنا لما لدينا من أفكار مسبقة دخلنا بها بحثنا، وفى نيتنا أن نُفْهِم القراء أنها النتائج التى أدانا إليها البحث العلمى المجرد.

ومما ذهب فيه الزميل العزيز بعيدا عن القصد ظَنُّه أن قول ابن منظور التالى فى مادة "أنث" فى لسان العرب إنما يعنى أن العرب كانت تسوى بين المرأة والجمادات. يقول ابن منظور: "وفي التنزيل العزيز: إِن يَدْعُون من دونه إِلا إِناثًا؛ وقرئ: إِلا أُنُثًا، جمع إِناث، مثل تِمارٍ وتُمُر. ومَن قرأَ إِلا إِناثًا، قيل: أَراد إِلا مَواتًا مثل الحَجَر والخَشَب والشجر والمَوات. كلُّها يخبر عنها كما يُخْبر عن المُؤَنث. ويقال للمَوات الذي هو خلاف الحَيوان: الإِناثُ". فهذا الكلام يعنى لدى الزميل العزيز أن العرب كانت تسوى بين المرأة والجماد. وهذا كلام غريب لم أسمع به من قبل، وقد استفزنى إلى مراجعة المعجم المذكور فوجدت ابن منظور يقصد أن كلمة "إناثا" فى الآية السابقة التى تتحدث عن توجه المشركين للأصنام بالدعاء لا تعنى أن تلك الأصنام مؤنثة الجنس، إذ هى فى الحقيقة جماد فلا تُذَكَّر من ثَمَّ ولا تؤنَّث، اللهم إلا اعتبارا لا حقيقة، فشَرَح الآية بما يفيد أن المشركين يعبدون من دون الله جمادات لا روح فيها ولا حياة، وهو ما يوضح أنهم فى عبادتهم للأصنام عديمو العقل فاقدو المنطق. أى أن ابن منظور قد لفت القارئ فى شرحه للآية إلى معنى من معانى "إناث" غير شائع، مثلما لفت الزبيدى فى "تاج العروس" الأنظار إلى معنى آخر لكلمة "أنثى" مجهول لدى الناس كلهم تقريبا، ألا وهو "المنجنيق".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير