تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال الزبيدى، وهو ما قاله ابن منظور تقريبا، لكن على نحو أزيد وأوضح وأكثر تفصيلا: "وفي التنزيل العَزيز "إِنْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِنَاثًا". وقُرِىءَ "إِلاّ أُنُثًا": جمع إِنَاثٍ، مثْل نِمَارٍ ونُمُرٍ، وقرأَ ابنُ عبّاس: إِنْ يَدْعُونَ من دُونِهِ إِلا أُثُنًا. قال الفرّاءُ: هو جَمْع الوَثَنِ كـ"الأَنَاثَى" كعَذَارَى. جاءَ ذلك في الشِّعْر. من قرأَ: إِلاّ إِنَاثًا، أَرادَ "المَوَات" الذي هو خِلافُ الحَيَوَان كالشَّجَرِ والحَجَرِ والخَشَب، عن اللِّحْيَانِيّ ... (و) يقال: هذه "امْرَأَةٌ أُنْثَى" إِذا مُدِحَتْ بأَنَّهَا "كامِلَةٌ" من النّساءِ، كما يُقَال: رجُلٌ ذَكَرٌ، إِذا وُصِفَ بالكَمَال، وهو مجاز".

ولعل القارئ قد تنبه أيضا إلى أن المرأة حين توصف فى لغة الضاد بأنها "أنثى" فمعناه أنها حازت صفة الكمال بين بنات جنسها، وهو ما لم يلتفت إليه الزميل العزيز لأنه كان مشغولا بما يخدم فكرته التى أعدها سَلَفًا وأقبل بها على موضوعه جاهزة فيما أرجح. وشىء آخر لا ينبغى أن يفوتنى هنا، وهو أن "الرجولة" تشمل الرجال والنساء جميعا، فالرَّجُل رَجُلٌ، والمرأة رَجُلَةٌ. كما أن كلمة "رَجُل"، التى شاع استعمالها للذكور من البشر دون الإناث إنما تعنى فى أصل استعمالها "الراجل"، أى الذى يسير على رجليه، فلا فضيلة لأصل هذا الاسم على اسم "المرأة" أو "الأنثى" كما ترى. ومن هنا قال العرب: "جاءنا فلانٌ حافيًا رَجُلاً"، أى راجلاً، طبقا لما يقوله الزبيدى فى ذات المادة. كذلك يمكن، بطريقة الزميل العزيز، أن نقول إن كلمة "الذَّكَر" التى تطلق على جنس الرجال هى فى الواقع إهانة لهم، وأى إهانة! إذ هى تطلق على عضو الرجل. ومعنى هذا أن اللغة قد اختزلت الرجل فى عضوه الجنسى لا أكثر، فلا عقل ولا عاطفة ولا ضمير، بل عضو تناسلى فقط. لكننا لا نذهب هذا المذهب فى الشرح والتأويل. كما أن لكلمة "رُجْلَة" (التى تعنى عادةً "الرجولة") معنى آخر هو أن يشتكى الواحد منا رجله. أى يصاب فيها فيتألم ويشكو. وهو، على النحو الذى يتناول به الأمورَ زميلُنا العزيز، معنى يسىء إلى الرجولة. لكننا هنا أيضا لا نقول بهذا، إذ اللغة أكثر تعقيدا من أن نستنطقها المعانى بهذا الأسلوب فى كل الأحوال.

ويلاحظ على الزميل العزيز أنه يقتطع عبارة من هنا، وعبارة من هناك، ثم يركّب تلك العبارات بطريقته الخاصة فإذا بها تنطق بأن العرب كانوا يرون المرأة جمادا يفتقر إلى الحياة. ومن ثم فافتقارها إلى النطق والبيان والبلاغة هو أمر عادى تماما (ص9 - 10 مثلا). وهو يستشهد بتفسير بعض المفسرين لقوله تعالى حكاية عن الكفار فى وصف النساء: "مَنْ يُنَشَّأُ فى الحِلْيَةِ"، إذ يشرح الزمخشرى ذلك بأن جنس المرأة إنما "يتربى في الزينة والنعمة. وهو إذا احتاج إلى مجاثاة الخصوم ومجاراة الرجال كان غير مبين، ليس عنده بيان، ولا يأتي ببرهان يحجُّ به من يخاصمه، وذلك لضعف عقول النساء ونقصانهنّ عن فطرة الرجال. يقال: قلما تكلمت امرأة فأرادت أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها"، ناسيا أن الكلام فى الآية ليس هو كلام الله عز شأنه ولا حتى كلام المسلمين، بل كلام المشركين، الذين كانوا يبغضون خِلْفة الإناث ويرونها عارا وشنارا، بل كان بعضهم يئد ابنته التى رزقه الله بها فيدسّها فى التراب. وقد قال المشركون هذا الكلام عن النساء على سبل الإنكار والسخرية.

وللأسف فإن بعض المفسرين ينسى هذه الحقيقة ويذهب فيشرح الآية بطريقة من يتصور أنها كلام الله وحكمه سبحانه على جنس المرأة. فمن ذلك قول الطوفى فى تفسير الآية طبقا لما أورده الزميل العزيز عنه: "كَنَّى عن النساء بملازمتهن التَّحَلِّىَ وبالعِىِّ وعدم الإبانة فى الخصام لضعف قوتهن العقلية". أى أن الله هو الذى كَنَّى فى الآية عن النساء بما كنى به عنهن تعبيرا عن عيهن وعجزهن عن الإبانة، وكأنه سبحانه قد خلقهن خُرْسًا. فهل يعقل هذا؟ ألم يقل القرآن عن الإنسان جميعه: ذكوره وإناثه، رجاله ونسائه: "الرحمن* خلق الإنسان* عَلَّمه البيان"؟ فكيف يقول فى موضع إنه قد علم المرأة البيان مثلما علم الرجل، ثم يقول فى موضع آخر إنها بطبيعتها غير مبينة، وضعيفة القوة العقلية؟ حاشا لله أن يفعل هذا، وإلا فلم قال الرسول عن النساء إنهن شقائق الرجال، أى الشق الآخر لهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير