وبعد حديث الشيخ في بحثه عن إمكان ترجمة القرآن [الكريم] تعرض لشُبه الناس في الترجمة وتولى الرد عليهم، كما تحدث عن جواز الصلاة بالترجمة وكذلك تحدث عن كتابة التراجم وقراءتها، والمراد من الترجمة وغير ذلك من الموضوعات التي لا داعي لذكرها هنا.
وكان من مؤيدي الشيخ المراغي الأستاذ محمد فريد وجدي الذي كان في ذلك الوقت مديرا لمجلة الأزهر، وقد جمع الأستاذ فريد وجدي آراءه في بحث أكبر من بحث الشيخ المراغي ونشره بعنوان " الأدلة العلمية على جواز ترجمة معاني القرآن [الكريم] إلى اللغات الأجنبية" ((أنظر الاستاذ محمد فريد وجدي: " الأدلة العلمية على جواز ترجمة معاني القرآن [الكريم] إلى اللغات الأجنبية" ربيع الأول سنة 1355 هـ/ يونيو 1936م)): أخرجه في ملحق للعد الثامن من مجلة الأزهر وعني فيه بالرد على المعارضين وخاصة فضيلة الشيخ محمد سليمان وفضيلة الشيخ محمد مصطفى الشاطر، وقد كتب على غلافه: " ردود علمية على الذين يذهبون إلى عدم جواز ترجمة معاني القرآن [الكريم] إلى اللغات الأجنبية تصحيحا للترجمات الموجودة وتعميما للدعوة الإسلامية، ودحضا لجميع الشبهات التي يثيرها بعض الكتاب على هذا العمل الجليل ".
وقد انتهى الأمر بعد طول النقاش والحوار إلى أن قررت مشيخة الأزهر وضع تفسير عربي دقيق تمهيدا لترجمته ترجمة دقيقة بواسطة لجنة فنية مختارة، واجتمعت لجنة التفسير عدة مرات برئاسة مفتي مصر في ذلك الوقت، ووضعت دستورا تلتزمه في عملها العظيم، ثم بعثت بهذا الدستور إلى كبار العلماء والجماعات الإسلامية في الأقطار الأخرى تستطلع آراءهم في هذا الدستور رغبة منها في أن يخرج هذا التفسير العربي في صورة ما أجمع عليه الأئمة.
ورأت اللجنة بعد ذلك أن تضع قواعد خاصة بالطريقة التي تتبعها في تفسير معاني القرآن الكريم، وقد خرج فعلا إلى حيز الوجود هذا التفسير الذي سمي " المنتخب في تفسير القرآن الكريم" وقد طبعه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، وكتب في مقدمته ما يفيد أنه تفسير مختصر محرر كتب بالعربية تمهيدا لترجمته إلى اللغات الأجنبية.
وهذا العمل له فوائد كثيرة منها:
1) – وضع تفسير موجز باللغة العربية يسهل الرجوع إليه.
2) – وجود نص القرآن [الكريم] باللغة العربية وتفسيره بالعربية أمام المسلمين الأجانب لتيسير معرفتهم بها، ثم تفسير بلغتهم معتمد من لجنة علمية، وقد كتب الإيرانيون تفسيرا للقرآن [الكريم] طبع في هامش المصحف الشريف، وكذا فعل الأفغانيون والباكستانيون.
3) – تصحيح ما أسموه تراجم للقرآن [الكريم] في اللغات الأوروبية، وبيان أوجه الخطأ فيها.
نماذج من الترجمة الفارسية:
ليس الغرض عنا عرض دراسة تفصيلية لترجمة معينة - فالمجال لا يسمح بذلك- ولكن الهدف من عرض هذه النماذج هو بيان القصور الواضح في المعاني المُتَرجَمَة، مما يوضح حاجتنا إلى ترجمة جديدة لمعاني القرآن الكريم تسد النقص وتصحح الأخطا.
وقد اعتمدت في عرضي لهذه النماذج على نسخة من الترجمة الفارسية للقرآن [الكريم] المطبوعة في طهران عام 1366 هـ بخط حسن بن عبد الكريم هريسي وترجمة الحاج شيخ مهدي الهرقمشة اى، والنص مكتوب في الصفحة اليمنى والترجمة مطبوعة في الصفحة المقَابِلَة، وهي بترتيب القرآن [الكريم] المطبوع في مصر، وقبل كل سورة يذكر اسم السورة ويبين إن كانت مكية أو مدنية، وعدد آياتها، وللأسف توجد في النسخة أخطاء.
وإذا حاولنا تقييم هذه النسخة نقول بداية أنها ليست ترجمة حرفية، وإنما هي ترجمة للمعنى كما سيتضح من النماذج، كما أن التراجم الفارسية بصفة عامة لا توجد الأخطاء الجسيمة التي نصادفها في التراجم الأوروبية التي تعتبر القرآن [الكريم] كتابا ألفه محمد بن عبد الله [صلى الله عليه وسلم]، ويحرفون فيه ويعتبرون أن له مصادر يهودية ونصرانية، ويتخبطون في الحديث عن التكرار في القرآن [الكريم] وعن ترتيب آياته، ويرجع ذلك غلى أن المترجم الإيراني شخص مسلم يؤمن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، وأن القرآن [الكريم] هو كتاب الله أنزله على عباده ليهديهم سواء السبيل.
¥