تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والترجمة التفسيرية هي التي لا تراعى فيها تلك المحاكاة، أي محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه، بل المهم فيها حسن تصوير المعاني والأغراض كاملة، ولهذا تسمى أيضا بالترجمة المعنوية، وسميت تفسيرية لأن حسن تصوير المعاني والأغراض فيها جعلها تشبه التفسير، وما هي بتفسير كما سيتبّين بعد ذلك.

فالذي يترجم ترجمة حرفية يقصد إلى كل كلمة في الأصل فيفهمها، ثم يستبدل بها كلمة تساويها في اللغة الأخرى مع وضعها وإحلالها محلها، وإن أدى ذلك إلى خفاء المعنى المراد من الأصل، بسبب اختلاف اللغتين في موقع استعمال الكلام في المعاني المرادة إلفا واستحسانا.

أما الذي يترجم ترجمة تفسيرية، فإنه يعمد إلى المعنى الذي يدل عليه تركيب الأصل فيفهمه ثم يصوغه في قالب يؤديه من اللغة الأخرى، موافقا لمراد الأصل، من غير أن يكلف نفسه عناء الوقوف عند كل لفظة أو استبدال غيرها بها.

والأمثلة على الترجمة بنوعيها من آيات القرآن [الكريم] كثيرة فمثلا نجد أن قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (الإسراء: 29)

قد ترجمت إلى الفارسية [هكذا]: " نه هركز دست خود محكم بسته دارونه بسيار باز وكشاده داركه هركدام كنى بنكوهش وحسرت خواهي نشست " أي لا تربط يدك بإحكام ولا تجعلها ممدودة غاية المد، فإن تفعل ذلك ستقعد ملوما محسورا، أما عند الترجمة التفسيرية للآية فإنك تعمد إلى التعمق في فهم الآية، بالنهي عن التقتير والتبذير، في أبشع صورة منفرة، ولا عليك من عدم رعاية الأصل في نظمه وترتيبه اللفظي.

أما عن موقف علماء المسلمين والأزهر من مسالة ترجمة القرآن [الكريم] فتتلخص أنه في عام 1355 هـ/ 1936م ثار جدال عنيف حول ترجمة القرآن [الكريم] بين الجواز والمنع، وذلك بعد أن عني كثير من المستشرقين والمبشرين بنقل القرآن [الكريم] إلى كثير من اللغات الأجنبية بغرض التشنيع عليه والتشهير به، والدس له واتخاذه في مدارسهم وكنائسهم مادة للنقد والتجريح، ولما دب النور والعرفان والثقافة والعلم في أنحاء مختلفة من الكرة الأرضية، وأصبح الناس يحاولون أن يتدارسوا الأديان والرسالات بأسلوب من البحث النزيه، والمنطق السديد، وكان فيما يرجون أن تصل دراستهم إليه ((القرآن [الكريم])) على اعتبار أنه كتاب خالد شغل البشرية قرونا عديدة، ظهر حينئذ في علماء المسلمين من نادى بضرورة تعريف هذا النفر به، عسى أن يكون ذلك باعثا لهم على الإيمان، حاملا لهم على الهداية، حافزا لعم على أن يكونوا من جنوده المحافظين عليه، الذائدين عنه.

وكان من أولئك المسلمين شيخ الجامع الأزهر في ذلك الوقت وهو الشيخ مصطفى المراغي – الذي تحمس لترجمته تحمسا منقطع النظير – ونشر بحثا عن ترجمة القرآن وأحكامها ((أنظر الشيخ مصطفى المراغي: " بحث في ترجمة القرآن وأحكامها" مطبعة الرغائب في ربيع الثاني سنة 1355هـ/ يونيو 1936م)).

وقدم لهذا البحث بكلام للإمام الشاطبي في كتاب " الموافقات" يفيد أن اللغة العربية من حيث هي ألفاظ دالة، لها معنيان: أولي وثانوي، فالأولي كقيام زيد الذي لا يمكن أن تختلف في التعبير عنه لغة من اللغات، والثانوي ما يزيد على ذلك من الاهتمام بالقيام وحده، أو بالقائم، أو إجابة السائل، أو الرد على المنْكِرِ

أو غير ذلك من الأسرار البلاغية التي تقتضيك التعريف أو التنكير، والتقديم أو التأخير، وما شاكل ذلك من الأساليب التي توجبها الحال، وتحتها [وتحتمها] المناسبة، فالمعاني الأولية لا تفسدها الترجمة، ولا أن يشوهها النقل، ولا أن تطول فيها مسافة الخلف بين اللفظ والمعنى، والمعاني الثانوية التي يتفاوت في دقة تصويرها، وروعة التعبير عنها وجمال أساليبها فحول البلغاء، أو أساطين الكلام كما تختلف في نقلها وصوغ الألفاظ المعبرة عنها اللغات، وعلى هذا فالمعاني الأولية في القرآن [الكريم] يمكن ترجمتها إلى أية لغة من اللغات، وأما المعاني الثانوية فلا ...

ونحن نعلم أن المعاني الأولية في أي كلام لا اعتبار لها، ولا ميزة فيها، فإن الاعتبار كله والميزة البارزة في الذي يسميه البلغاء بالمعاني الثانوية، وهي مجال الفحولة ومناط الإعجاز.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير