تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بحسب منهج الله تقتلون، فالذي قتل الآخر كأنه في النهاية قتل نفسه.

أذكر جريمة وقعت في ريف دمشق، خمسة أشخاص أخذوا بائع ذهب، وقتلوه، ووضعوه في بئر، وأخذوا من عنده تقريباً عشرة كيلو غرامات من الذهب، أنا أذكر أن المسافة أو الوقت الزمني بين السرقة وبين إعدامهم أسبوعان أو ثلاثة، هل يعقل أن هذا الإنسان لو أيقن أنه مقتول لا يسرق، ولا يقتل، ضعف اليقين، فالشارع الحكيم يأمرنا أن نجعل عقوبة القتل رادعة، لذلك: [وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ]، حينما تقتل أخاك فقد قتلت نفسك حكماً، لأنك مقتول، وحينما يكون تشريع القصاص بالقتل قائماً فالحياة ينعم بها من كان سيقتُل، ومن كان سيقتَل، فلذلك قضية المنهج الإلهي مهمة جداً، [وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ].

معنى ثالث: لا تتهاون بأشياء تدلي بك إلى القتل، قضية بسيطة تفاقمت، ثم أصبحت جريمة، أحيانا السرقة تنقلب إلى قتل، دخل ليسرق، فقاومه صاحب البيت، معه مسدس فقتله، كان سارقاً فصار قاتلاً، أيها الإنسان لا تفعل شيئاً ينتهي بك إلى القتل، ولا تقتل أخاك لئلا تقتل، وإنك إذا قتلت أخاك ضعفت المسلمين، لذلك الذي يقتل مؤمناً خطأً بحادث، في أصل التشريع عليه أن يعتق رقبة مؤمنة، لأن هذا المجتمع خسر عنصراً مؤمناً فلا بد من تعويضه بعنصر مؤمن.

[إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا*وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا]، أحياناً يكون العدوان عن غفلة، لا عن ظلم، [عُدْوَانًا وَظُلْمًا]، يعني يعتدي، ويعلم أنه معتدٍ، هذا أعلى أنواع الشر، أسوء أنواع الشر، يعتدي، ويعلم أنه معتدٍ، لكن أحيانا إنسان لغفلة عنده قد يعتدي، ويعتذر، لكن الذنب الذي يبنى على الغفلة أو على الجهل سهل غفرانه، أما حينما يعتدي، وهو يعلم أنه معتدٍ، وهو يعلم أنه ظالم فهذا ذنب كبير جداً، [وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا]، من فعل في النار فعل الإحراق؟ الله جل جلاله، قوتها من قوة الله عز وجل [وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا]، ثم يقول الله عز وجل:

إخواننا الكرام، في هذه الآية حقائق خطيرة جداً، أولاً: [إِنْ تَجْتَنِبُوا]، معنى تجتنب في القرآن الكريم يقتضي أن تدع مسافة أمان، أو هامش أمان بينك وبين المعصية، فإن كل معصية حولها منطقة لو دخلتها لجذبت إليها، أبداً.

حول الزنى الاختلاط، حول الزنى الخلوة، حول الزنى إطلاق البصر، حول الزنى صحبة الأراذل، أنا سمعت قبل أيام مصطلحًا أعجبني، هناك مصطلح دقيق جداً هو التحرش بالمرأة، هناك مصطلح جديد تحرش المرأة بالرجل، كيف؟ من خلال ثيابها، حينما تكون ثياب المرأة فاضحة مبرزة لمفاتنها، هذه المرأة تتحرش بالرجال، فكيف نعاقب رجلاً تحرش بامرأة؟ نعاقبه، وندخله السجن حسب النظام، فينبغي أن تعاقب المرأة التي تتحرش بالرجل من خلال ثيابها، وقد سئلت البارحة في محاضرة كنت ألقيها عن قضية ثياب المرأة فقلت: كيف أن الرجال لهم عبادات خاصة كالجهاد في سبيل الله، وحضور الجمع والجماعات، للمرأة عبادة خاصة ترقى بها، أنا سميتها عبادة إعفاف الشباب، فالمرأة محببة إلى الرجل، فإذا أظهرت مفاتنها من خلال ثيابها الفاضحة فقد تحرشت بالشباب، ودفعتهم إلى مجموعة إلى المعاصي، إما أن يقعوا في الزنى، أو في المثلية، أو في العادة، أما إذا كانت ثياب المرأة سابغة، وثخينة لا تصف ما تحته، وواسعة لا تصف حجم أعضائها، إذاً هي ساهمت في أعفاف الشباب، لها عند الله أجر، لعل المرأة في الصيف محرومة من ثياب خفيفة، قد يفعلها الشاب، ولا شيء عليه، لكن الفتاة ممنوعة أن ترتدي ثيابًا خفيفة تظهر مفاتنها، هذه المرأة حينما ترتدي معطفًا في الصيف، وحينما ترتدي ثياباً سابغةً، ثياباً محتشمةً طويلةً واسعةً، وحينما تغطي شعرها ووجها، ماذا تفعل هذه؟ تعبد ربها، تعبد ربها، وكأنها في صلاة، لذلك والله أيها الإخوة، حينما أرى امرأة محجبة حجاباً إسلاميا صحيحا لا يسعني إلا أن أقول:

(سورة السجدة الآية: 17).

أما حينما تسبب أزمات وانحرافات لمن يراها متفلتة في ثيابها فهذه مشكلة إذاً: [إِنْ تَجْتَنِبُوا] الكبائر، فيجب أن تدع بينك وبينها هامش أمان، كأن نهراً مخيفاً له شاطئ مائل زلق، وله شاطئ مستوٍ جاف، فحينما تمشي على الشاطئ المائل الزلق احتمال أن تسقط في النهر كبير، الحرام بيّن، والحلال بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع، ألا وأن لكل ملك حمى، ألا وأن حمى الله محارمه، إذاً من كلمة: [إِنْ تَجْتَنِبُوا] ينبغي أن نفهم أن تدع هامش أمان بينك وبين المعصية، الزنى، الخلوة، الخلوة طريق للزنى، الاختلاط، إطلاق البصر، صحبة الأراذل، متابعة الأفلام الإباحية، هذا كله ينتقل إلى الزنى، الخمر، لعن الله الخمر، وشاربها، وبائعها، وحاملها، والمحمولة إليه، والناظر إليها، والمعلن عنها، هؤلاء جميعاً ملعونون، لم يقل لك الله عز وجل: حرمت عليكم الخمر، بل قال:: [إِنْ تَجْتَنِبُوا]، الاجتناب أبلغ من التحريم، أبلغ بكثير، الاجتناب أن تدع منطقة آمان كبيرة، بربكم لو أن وزير الكهرباء أنشأ خط توتر عالٍ جداً 800 آلاف فولت، وكتب لوحة: ممنوع مس التيار، قبل التيار بـ800 متر مَن دخل إلى هذه المنطقة يصبح فحمة سوداء، ماذا ينبغي أن يكتب؟ ممنوع الاقتراب من التيار، ممنوع مس التيار كلام لا معنى له.

(سورة البقرة الآية: 187).

اجعل بينك وبينها هامش أمان، والشريف من يهرب من أسباب المعصية، لا من المعصية نفسها، أنا أقول لكم: لو حللت مئة حالة زنى 95 % من هذه الحالات لن يخطر في بال الواحد منهم أن يصل إلى الزنى، لكن لأنه دخل المنطقة المحرمة فهذه المنطقة المحرمة ساقته إلى الزنى، وهكذا: [إِنْ تَجْتَنِبُوا]، ولهذه الآية أيها الإخوة وقفة متأنية إن شاء الله في الدرس القادم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير