تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)) في هذه الآيات يأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتقيه حق التقوى وتقوى الله حق التقوى أن نطيعه فلا نعصيه وأن نذكره فلا ننساه وأن نشكره على نعمه وأن نكون له كما يحب سبحانه وتعالى فلا نعصيه ولا نعصي رسوله صلى الله عليه وسلم في السراء والضراء والمنشر والمكره وفي كل الأحوال. يقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) تقوى الله حق تقاته هي أن يأتي الإنسان بالأوامر ويجتنب النواهي على مراد الله وعلى مراد رسوله صلى الله عليه وسلم في كل الأحوال بقدر ما يستطيع. وقد ظن بعض الناس أن هذا الذي طُلب منا بهذه الآية شيء شاق لا يطاق ولا يستطاع وظنوا أنها منسوخة بقول الله عز وجل (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (286) البقرة) وقوله (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا (7) الطلاق) فنقول لا، إتقوا الله حق تقاته أي اتقوا أيها الناس ربكم حق التقوى فيما تطيقون وتستطيعون فمن جاء بما يطيق وما يستطيع فإنه قد اتقى الله حق التقوى. فمثلاً المؤمن المنفرد الذي ليست له دولة وليس معه أعوان يعينونه لا نقول في حقه أنه يجب الجهاد كما يجب على المؤمنين الذين يجدون أعواناً ولهم دولة وعندهم راية قائمة فتقوى الله حق التقوى بالنسبة لذلك الشخص الوحيد ليست كحالها بالنسبة لذلك الشخص الذي يجد أحداً يعينه وعنده دولة ولديه راية. وهكذا فيمن وجب عليه الحج وهو غير قادر بماله أو غير قادر في بدنه فإن تقوى الله في حقه لا تقتضي أن يحج على كل حال لأنه غير قادر فتقوى الله حق التقوى أن تقوم بما أمرت به من غير أن يكون في ذلك خروج عن الطوق والاستطاعة وبهذا تجتمع الآيات في هذا الباب. قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) هذا الأمر قد يقول الواحد منا أنه أمر بشيء مستحيل لأن تقدير أن أموت وأنا مسلم أو كافر هذا ليس بيدي وإنما بيد الله فنقول اطمئن ما أمرك الله بهذا إلا وهو مقدور عليه ومطاق كثله، كيف ذلك؟ إذا عشت كما يحب الله وقمت بطاعة الله في حياتك فإن الله سيجعل مماتك ويختم حياتك بما يحب سبحانه وتعالى منك. فلن تموت بإذن الله إلا وأنت مسلم. وهكذا في القرآن إذا أُمر الإنسان بما ظاهره أنه لا يقدر عليه فالمقصود من ذلك أن يقوم بما يلزمه من أجل الوصول إلى هذه النتيجة فمن عاش مؤدياً للصلاة قائماً بالزكاة صائماً لرمضان قد حج بيت الله الحرام قام بأوامر الله كما أمر الله فإن الله سبحانه وتعالى يختم له حياته أن يموت على هذا الدين وهذه من عادة الرب الكريم سبحانه وتعالى أن لا يخذل عبده عند الممات ما دام صادقاً في ديانته مؤدياً لحقوق الله عز وجل على الوجه اللائق. ولذلك (وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) إذا قمتم بالواجبات وأديتم ما أمر الله سبحانه وتعالى به واستمسكتم بحبل الله فإن الله سبحانه وتعالى يختم لكم حياتكم بما يسركم وأنتم مسلمون.

قال الله عز وجل (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا) لما أمرنا أن نتقي الله حق التقوى أمرنا بشيء فيه سلامة للمجتمع وأمن له ورقي له وفوز في الدار الأولى ثم الدار الأخرى وهي أن نعتصم جميعاً وهو أن نلتف جميعاً على حبل الله. نعتصم بحبل الله ونستمسك به ونرجع إليه ونلوذ به ولا نعدل به شيئاً آخر (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) المائدة) فنعتصم بحبل الله أي نستمسك به استمساكاً شديداً والاستعصام فيه مزيد من القوة بالأخذ والقيام بذلك الحبل وشدة الاعتصام به (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ) أي عهد الله ودينه وأمانته التي كلفكم بها. ثم قال مؤكداً (جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) فإذا أردتم السعادة وأردتم النصر وأردتم العلو في الأرض فاجتمعوا على ذلك. لا يكن هم أحدنا أن يقوم هو بالصلاة دون أن يأمر إخوانه وأن يذكر المسلمين وأن يأخذ بهم جميعاً إلى جادة الحق والصواب. (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) لا يصبكم شيء من التفرق وهنا نبين أن راية الإسلام لا تتم إلا بهذين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير