تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الله وهذا ما ستؤكده لنا الآيات بعد قليل عندما قال الله عز وجل (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ) قال الله عز وجل لما ذكر الاستقامة نهى عن ضدها قال (وَلاَ تَطْغَوْاْ) ولاحظوا كيف فرق بين الأسلوبين ففي أسلوب الأمر وهو أمر بالاستقامة جاء به خطاباً للنبي وفي أسلوب النهي جاء به خطاباً للجماعة ولعلّ هذا والله أعلم تأدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلالاً لقدره ورفعاً لمكانته فهو يقول فاستقم كما أمرت يا محمد ولا تطغوا كأنه لا يتصور من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يطغى. قال (إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هذا تهديد وهذا فيه إحياء لجانب المراقبة يعني استقيموا فالله مطلع عليكم وأدوا ما أُمرتم كما أمرتم فإن الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه من عملكم شيئاً وإياكم أن تطغوا فإن الله مطلع عليكم وقادر على أن يعاقبكم سواء عجل العقوبة أو ادخرها. وهنا نشير إلى ملاحظة مهمة في كتاب الله وهي اللازم من الخبر فإنه عندما يقول إنه بما تعملون بصير لا يريد أن يبين أن الله سبحانه وتعالى يبصر الأشياء فقط وإنما يريد لازم ذلك وهو أن الله يبصر الأشياء وسيحقق من وراء ذلك شيئاً وهو أنه مطلع عليكم وسيجازيكم بما تعملون إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ. ثم نهاهم الله عز وجل عن أمر آخر وهو أمر عظيم فقال (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) يعني لا تداهنوا الظالمين ولا تميلوا إليهم ولا ترضوا بأعمالهم ولا تستعينوا أيضاً بهم فإن هذا كله يدخل في الركون إلى القوم الظالمين أياً كان هؤلاء الظالمين سواء كانوا من المشركين أو من اليهود والنصارى أو من الطغاة المنتسبين إلى الإسلام فإن الركون إليهم وإعانتهم على ظلمهم والتصفيق لهم والتطبيل لظلمهم وتأييدهم على ما يفعلون كل ذلك من الركون الذي يدخل الإنسان به في عداد المخالفين لهذه الآية. قال (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) يعني إن ركنتم إليهم مستكم النار. وأيّ شيء هذه النار حتى يستهين الإنسان بها؟! إنها نار عظيمة عذابها شديد وقعرها بعيد ولا يطيقها أحد فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا حرها وشرها وأن يحرم بشرتنا ولحومنا عليها. قال (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) يعني إن ركنتم وطغيتم ولم تستقيموا كما أمرتم فما لكم من دون الله من أولياء ليس لكم أولياء دون الله عز وجل يمنعون عنكم عذابه أو ينتصرون لكم. (ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) ما كان أحد ينتصر لكم ويمنع عذاب الله عنكم فاحذروا من ذلك أشد الحذر ولذلك على المسلم أن يخشى الله ويتقيه وهذا الخطاب للمؤمن التقي الذي إذا ذكر بالعذاب ارتجف قلبه وتغيرت نفسه وخاف من الله عز وجل أشد الخوف. قال الله عز وجل (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ) نؤكد على أن الأوامر تأتي بصيغة المفرد مخاطباً بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنواهي بصيغة الجماعة. قال (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ) كأن إقامة الصلاة هي عنوان الاستقامة فمن اقام الصلاة أعانه الله على سائر أبواب الطاعة ووفقه لذلك ودله عليه وأعانه على الثبات على دين الله وعلى أوامر الله سبحانه وتعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد قلنا مراراً إن الصلاة لم يؤمر بها في القرآن عادة إلا على وجه الإقامة كأنها هي الصلاة المقبولة وما سواها فليست مرادة من الله ولا مقبولة ممن يؤديها نسأل الله العافية والسلامة. قال (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ) اختلف المفسرون في طرفي النهار فقيل صلاة الفجر وصلاة المغرب وقيل طرفا النهار صلاة الفجر وصلاة العصر وقيل وهو أقرب طرفا النهار صلاة الفجر وصلاتي الظهر والعصر فهذا في أول النهار وهذا في نصفه الثاني. (وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْل) قال العلماء يراد به صلاة المغرب والعشاء وقال آخرون يراد به صلاة العشاء وذكر ابن كثير رحمه الله تعالى أن هذه الاية تحتمل أن تكون نزلت في أول الإسلام قبل أن يأتي فرض الصلوات الخمس فتكون أقم الصلاة طرفي النهار أي صلاتي الفجر والعصر وزلفاً من اليل أي قيام الليل ولم يكن واجباً على المؤمنين في أول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير