تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يبين لنا أن التاريخ كما يقال يعيد نفسه وأن هذه السنن تتكرر وتأتي مرة بعد أخرى. قال الله عز وجل (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً) آمنة لا تخاف أحداً كما قال الله عز وجل عن أهل مكة (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا (57) القصص) فالله عز وجل يمتن عليهم بن من كان حولهم من قبائل العرب كانت تغزوهم القبائل الأقوى منهم وكانوا يتعرضون للسلب والنهب والقتل وكانوا يخافون على أنفسهم وأهليهم وذراريهم وأموالهم وأما أهل مكة فكانوا في أمن مطبق ولم يكن بمكة حصون ولم يكن بها شيء يقيها من الأعداء لِما أمنها الله سبحانه وتعالى به. قال (كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ) وهذا ما قلناه عن مكة لأن الله استجاب فيها دعاء إبراهيم (وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) إبراهيم) أهل مكة كانت تأتيهم الثمار والزروع والفواكه من كل مكان وكانت لهم رحلتان رحلة الشتاء إلى أرض اليمن ورحلة الصيف إلى أرض الشام وكانوا يجلبون من هاتين المنطقتين خيرات كثيرة غير ما يجلبه العرب لهم من الأرزاق والسمن والذبائح والخيرات التي لم تكن لغيرهم من أهل الأرض. قال الله عز وجل (يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا) أي واسعاً كثيراً شاملاً لكل أنواع الطيبات (مِّن كُلِّ مَكَانٍ) وليس من مكان معين كما يحصل في كثير من البلاد، دخلنا بلاداً لا يعرفون بعض أنواع الفواكه أو لا يعرفون بعض أنواع الخضار أو لا يعرفون بعض أنواع الأقوات ولم يروها وذلك لأن الرزق الذي يأتيهم إما من بلادهم أو من مناطق معينة أما مكة وكذلك ما جاور مكة فإن الرزق يأتيهم رغداً من كل مكان تأتيهم الفواكه من التشيلي ومن اسبانيا ومن الصين ومن روسيا ومن اليابان ومن اندونيسيا ومن كل مكان. قال الله عز وجل (فَكَفَرَتْ) يعني قابلت هذه النعم بالكفران والجحود، جحود هذه النعمة أول ما تكون بأن تنسب إلى غير الله وأن يُعبد غير الله سبحانه وتعالى وهو الذي أنعم وتفضل وجحود هذه النعمة أن تصرف في غير طاعة الله فيستعمل مثلاً التمر للخمر ويستعمل الرز ليقدم لمن يعصون الله سبحانه وتعالى ويستعان بع على النوم عن صلاة الفجر. (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ) ماذا فعل الله عز وجل بها عندما كفرت؟ (فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) تأملوا كيف جاء بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب كأن عقوبة الكفر كفر أنعم الله تكون عاجلة وسريعة وغير مؤجلة لمن كفر بنعم الله. وهذا الكفر ليس المقصود به الكفر العملي وإنما الكفر التام المطبق وقد يُلحق الله عز وجل بعض الكافرين كفراً عملياً بهذا النوع من أنواع العقوبة. ثم قال (لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) يعني كأنهم ألبسهم هذا الجوع وألبسهم هذا الخوف، كيف ذلك؟ يلبسهم يعني كأنما يحيط بهم من كل جانب فالجوع يأتي إليهم بسبب قلة المطر وبسبب انقطاع الطريق وبسبب غلاء الأسعار وبأسباب كثيرة وكذلك الخوف ياتيهم بسبب تسلط أعدائهم عليهم وبسبب كثرة السُراق وقطاع الطرق وبستت عدم تأمن الطرق واشياء كثيرة من هذا القبيل. فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يبدل أمننا خوفاً وشبعنا جوعاً وذلك بيده وحده فلا نأمن عقوبة الله وإيانا وإيانا أن نأمن مكر الله عز وجل بنا إن نحن كفرنا نعم الله!. ما هو المقابل لذلك؟ إن المقابل لذلك هو أن نشكر نعم الله سبحانه وتعالى فإن شكرنا فإن الله لم يعدنا بأن تبقى هذه النعم بل وعدنا وعداً قاطعاً أن يزدنا كما قال في سورة إبراهيم (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ). قال الله عز وجل (فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) أي بسبب ما كانوا يصنعون، ليس تقديراً من الله سبحانه وتعالى دون أن يكون السبب منكم فالسبب منكم والفضل منه وحده فهو الذي أنعم وهو الذي تفضل فلما تسببتم بقطع هذه النعمة وقطع هذا الفضل جزاكم بذلك الجزاء وقطع عنكم هذا الخير. قال الله عز وجل (وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير