تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبه تختتم. ثم ثنّى الله عز وجل بعد ذلك بأن ذكر بحقه وحق الوالدين لعظم حقهما فقال مفتحاً هذه الاية بقوله (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ومعنى قوله قضى أي أوجب وحكم وأوصى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) أي اعبدوه وحده ولا تشركوا معه أحداً سواه. (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) أي قضى أن يُحسن إلى الوالدين ولاحظوا كيف أن الله سبحانه وتعالى لم يأمرنا بأن لا نسيء إلى الوالدين ولم ينهنا عن العقوق وحده بل أوجب علينا أن نحسن إلى والدينا والإحسان مرتبة زائدة عن النهي عن العقوق. فقد يترك الإنسان عقوق والديه فلا يسيء إليهما ولا يضرهما بشيء ومع ذلك لا يكون مطبقاً لما جاء في هذه الاية وهو أن يُحسن الإنسان إلى والديه فيوصل إليهما البر والخير ويعطف عليهما ويدعو لهما ويبذل تجاههما كل ما يستطيع. قال (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ومن هذا يتبين أن مراتب الناس بالنسبة للوالدين ثلاثة: المرتبة الأولى مرتبة المحسنين وهم الذين أدوا ما أوجب الله عز وجل عليهم في كتابه بأن برّوا آباءهم وقدموا إليهم الخير وأطاعوهم وامتثلوا أوامرهم وفعلوا ما بوسعهم مما يسمى براً وإحساناً. والقسم الثاني على الضد من ذلك وهم من عقوا والديهم وإساؤوا إليهم فضربوا وسبوا وشتموا وبخلوا وعصوا ولم يستجيبوا والقسم الثالث وهم برزخ بين هؤلاء وهؤلاء وهم الذين لم يعقوا ولم يحسنوا والله سبحانه وتعالى إنما أمر بالإحسان. فإذا لم يأت الإنسان لوالديه بالإحسان فإنه لا يكون ممتثلاً للأمر ويكون مخالفاً لمقتضى هذه الاية الكريمة. ثم بيّن الله عز وجل صورة من صور هذا الإحسان فقال (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا) هذه المرحلة من مراحل عمر الوالدين هي المرحلة التي يحتاج فيها الوالدان إلى الولد ولذلك خصها بالذكر وإلا فإن الإحسان إلى الوالدين لا يقتصر على مرحلة معينة بل يجب على الإبن أن يحسن إلى والديه في كل الأحوال فقال (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا) في تلك المرحلة مرحلة الضعف والوهن وقلة الحيلة وضعف التدبير وكثرة الأمراض ووصول الأبوين إلى سن الهرم بل والخرف أحياناً مع الأعياء الشديد وغير ذلك مما يحصل لمن رق عظمه ولان جسمه وأصبحت تنتابه الأمراض. قال (إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَر) لاحظوا قوله (عندك) يعني أن الأصل فيهما عندما يكونان كبيرين أن يكونا عندك لا عند أحد سواك، ليس في الملجأ وليس عند الأجنبي عنهما أو القريب لهما غير ابنهما بل عندك قال (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا) لا تظن أنك تبلغ البر بأن تحسن إلى أحدهما وتدع الآخر وتقول أنا أكتفي بأحد الوالدين وأدع الثاني بل يلزمك أن تحسن إليهما جميعاً وأن تقوم بحقهما جميعاً وأن لا تقصر أياً كان ما يحتاجوه سواء كانت الأم تحتاج إلى البر وإلى الإحسان أكثر أو كان الأب أو كان كل واحد منهما محتاجاً لذلك منك. قال (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) وهنا يتبين لنا سر اختيار هذه المرحلة لتوجيه هذه الإرشادات والأوامر. العادة أن الإنسان لا يستطيع أن يقول لأبويه أف وهما نشيطان وهما قادران على العمل وهما يرجى منهما خير للإبن وهما يعقلان ما يقولان ويحسنان التدبير في أمورهما إنما يقول لهما أف عندما يكونا في حالة الضعف وعندما تضعف عقولهما وتضجر أنفسهما. فيأتي الأب ويطلب من ابنه أن يفعل أشياء لا يرغب فيها الإبن أو لا يحبها افبن أو يرى الإبن أنها غير مناسبة له أو لا تليق بحاله مع ابنه أو مع زوجته فتكون هذه من الأوامر المضجرة وليست من الأوامر المعقولة. مثل أن يقول لك كم بقي على صلاة الظهر؟ فتقول بقي نصف ساعة ثم بعد دقيقتين يقول كم بقي على صلاة الظهر؟ فتقول بقي نصف ساعة ثم يقولها مرة ثالثة ويستمر يسألك سؤالاً إثر سؤال فتضجر وتقول أف ما هذا لماذا تكرر علي السؤال؟! ألا تفهم! في هذه المرحلة يوصيك الله سبحانه وتعالى أن تثبت وأن تحسن وأن تتجمل بالقول فيقول (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير