تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أُفٍّ) ينهاك أن تقول أدنى شيء يمكن أن يقال للوالدين مما يخالف مرتبة الإحسان التي أمرك الله سبحانه وتعالى بها فيقول (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ). إذن ليس الحديث عن السب والشتم واللعن ولا الحديث عن الضرب واللكم واللكز إنما الحديث عن شيء تافه قد يضر بعلاقتك مع والديك، شيء قد لا يسمعه الأب وقد لا يدركه وقد ينساه لأول لحظة ولكنه لا يليق بالمؤمن البر الذي يريد أن يبلغ درجة الإحسان ويحقق ما أمر الله به في القرآن (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). قال (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) قال العلماء في جانب القول ذكر أقل ما يمكن أن يقال وفي جانب الفعل ذكر أدنى ما يمكن أن يفعل وهو النهر والنهر عادة يكون بأفعال كثيرة لكن من أقلها أن ينفض الإنسان يديه فهذا لون من ألوان النهر. قال العلماء فلما ذكر أدنى القول القبيح وأدنى الفعل القبيح ذكّر بضدهما (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) لم يقل لا تقل لهم أفّ وسكت عن ذلك، بل قابل ما يضجرانك به من الأقوال بألا تقل لهما أف وقل لهما قولاً كريماً، تقول يا والدي بقي على أذان الظهر نصف ساعة، يقول لك كم بقي على أذان الظهر؟ تقول يا والدي بقي 25 دقيقة، يقول لك يا ولدي كم بقي على أذان الظهر؟ تقول يا والدي يا حبيبي بقي عشر دقائق، بقي دقيقتان، الآن يؤذن، ولا نضجر بل تقول قولاً كريماً، غفر الله لك يا أبي بقي كذا، جعلني الله وغياك ممن يقيمون الصلاة، وقل لهما قولاً كريماً والقول الكريم النفيس الرفيع الطيب الذي يفيض بالعبارات الجميلة الطيبة والودودة الحنونة التي يحسن بالإنسان أن يسمعها من غيره ويحسن بالإنسان أن يسمعها لوالديه. ولما ذكر الفعل القبيح بقوله (وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) ذكر أيضاً الفعل الجميل فقال (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) يعني لِن لهما وكن كالأرض الوطيئة مثل الرمل عندما يمشي عليه الإنسان بقدميه لا يشعر بوخز ولا يحس بشيء من الأذى. (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) اخفض لهما جناحك هذا الجناح الذي تطير به وتمشي به وتسعى به اخفضه لهما يعني كن طيعاً كن ليناً كن رهن إشارتهما لا تخالفهما في أمر يريدانه منك. (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) أي من شدة رحمتك بهما. (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) سبحان الله! قبل قليل قال (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) ألا يكتفى بذلك؟ لا يكتفى بذلك الآن هما يحتاجان منك الدعاء ويطربان من سماعه من فمك وهما الآن قد تعطلت أعضاؤهما عن كثير مما كانا يقومان به من العبادة فعليك أن تكثر لهما من الدعاء (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) في هذه اللحظة ترد الجميل الذي أسدياه إليك وكل ما تفعله في حقهما لن يكون كبيراً ولن يكون كثيراً ولن يكون موازياً لما قدماه لك. (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) قل قولاً كريماً وفي الوقت نفسه أكثر لهما من الدعاء. وهذا يبين لنا إلى أن من أعظم ألوان البر البر بالقول وهو الذي يخطئه كثير من الناس فقد يحسن الإبن إلى أبويه فينفق عليهما وقد يحسن فيؤيهما وقد يحسن فيقوم على علاجهما وخدمتهما ونظافتهما ولكنه يقصر بأن يتكلم معهما بالكلام الطيب الرفيق اللين الذي يحتاجان إليه. إننا بحاجة لأن نتذكر هذا الأمر ونعمل به (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)). ثم ختمت الآيات بقوله (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا) أي الله يعلم ما في نفوسكم من إرادة البر إذا كنتم صادقين في ذلك أو إرادة العقوق وتمني الخلاص من الوالدين فإن كنتم صالحين فإن الله يغفر لكم ما يبدر منكم من نقصير في حق والديكم وهذا من رحمة الله بنا فإن البر لا يطاق على وجه الكمال ولا يقدره كل أحد في كل الأوقات ولكن الله يعلم أنك قد تخطئ هذا البر وليس في نفسك أنك تريد العقوق فالله يقول لك (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا). أسأل الله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير