د. الخضيري: إذا قصد بماله أن يجمعه لينفقه في سبيل الله فإني أرجو أن لا يكون داخلاً في هذه الآية. لكن هل تتوقع أن أحداً من الناس يجتهد في الدنيا فلا يُضر إجتهاده في الدنيا بآخرته؟! هما ضرّتان ولذلك ينبغي على الإنسان أولاً إذا فتح الله عليه شيئاً من الدنيا أن يكون متيقظاً لحظّ الآخرة، لحق الله عز وجل في الواجب الذي أوجبه الله عليه ثم ما بقي من الوقت أو زاد إذا صرفه في أمور الدنيا فإنه لا ملامة عليه بإذن الله إذا نوى في ذلك النية الطيبة وصدق في عمله.
د. الربيعة: ما الذي يجعله يذكره بأن لا تكون نيته التكاثر؟ لأنه قد يغفل
د. الخضيري: قد يكون والله أعلم من أهم الأسباب التي تقيه من ذلك أن يستكثر من مجالسة الصالحين فإن هؤلاء يردونه كلما شعر بأنه قد انغمس في الحياة ردّوه كما قال عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) الكهف) هذا أمر. والثاني قراءة القرآن بتدبر فإنه إذا قرأ القرآن كلما قرأ من ورده شيئاً رجع إلى الحقيقة وفكر لماذا خُلِق؟ وعاد إلى الله سبحانه وتعالى وسخر هذه الدنيا التي أوتيها في طاعة الله جل وعلا ولم تصرفه عن أداء الحقوق والقيام بالواجبات.
د. الربيعة: ولذلك قال الله عز وجل بعدها (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) مما يجعلك تتذكر وتعرف حقيقة هذا المال ونهاية هذا التكاثر أنك ستتركه وتزور المقابر.
د. الخضيري: ما المقصود بتزور المقابر؟
د. الربيعة: إما أن يكون المقصود بها أجلُك ستزورها يوماً من الأيام بعد موتك وتكون من أهلها.
د. الخضيري: يقولون قد سُميت زيارة لأنها قصيرة هي برزخ ثم بعدها يُبعث الإنسان ويعيش الحياة الحقيقية إما في نعيم دائم أو في عذاب مقيم والعياذ بالله.
د. الربيعة: أيضاً نلمس من هذا أن زيارة المقابر وزيارة القبور مما تذكّر بالآخرة وتُبعد عن التكاثر في الدنيا وغيرها.
د. الخضيري: ولذلك قال النبي صلى اله عليه وسلم "أكثروا من ذكر هادم اللذات" و"وزوروا المقابر فإنها تذكركم الآخرة" فنقول داوي قلبك يا مسلم كلما شعرت أنك انغمست في هذه الحياة وكاثرت الناس وبدأت تنشغل بها عما خُلٌِت له داوي قلبك بأن تجعل لنفسك زيارة بين أسبوع وآخر بين شهر وآخر، تذهب فتزور المقابر تنظر إليها وتعتبر وتتفكر، زيارة المقابر ليس المقصود بها أن نستشفع بالموتى أو نسألهم أو نستعين بهم فهم بحاجة إلى دعائنا وصلواتنا وسلامنا عليهم أن نسلم عليهم وندعو لهم بالرحمة والمغفرة ونتذكر الآخرة.
د. الربيعة: معنى ذلك أن من أعظم ما يجعل الإنسان في هذه الدنيا مّتزناً هو أن يتذكر الآخرة. ثم انظر ماذا قال الله بعد ذلك، ليس فقط تذكرك لهذه المقابر قال (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ?3? ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ?4? كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ?5? لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ?6?) وهذه هي والله الطامة الكبرى. هذه التي تجعل الناس حقاً يتذكر هذه التي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم "ذكر النار يجثو لها الملائكة المقربون والأنبياء المرسلون"
د. الخضيري: في ذلك اليوم تجثو كل أمة من شدة ما ترى من الهول. وأنا أقول والله أعلم إنما ذُكرت النار لما قال الله عز وجل (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) ذُكرت النار لأن ذكرها هو الذي يؤثر في قلب الإنسان فيوقفه عند حده ويجعله يتذكر أنا عندما اقف بين يدي الله وأقوم وهذه النار جيء بها لها سبعون ألف زمام مع كل زمان سبعون ألف ملك يجرّونها، ماذا ينفعني؟! هل سينفعني هذه الصور التي جمعتها؟ هؤلاء الأصدقاء الذين تكاثرت بهم؟ هذه النوادي التي سجّلت بها؟ هذه الشهادات التي حصّلتها؟ هذه الأموال التي جمعتها من حلال أو من حرام إذا كان الإنسان كاثر بها عما أوجب الله عز وجل عليه؟ عند ذلك سيندم على كل ما تشاغل به عن ذكر النار والاستعداد لها.
د. الربيعة: انظر إلى ختام السورة وما مناسبته للسورة؟ ما هو ختام السورة؟
¥