والإمام إسماعيل بن عمر بن كثير من علماء الشام الكبار المعروفين, ومن علماء أهل السنة الذين رزقهم الله سبحانه وتعالى القبول, ورُزقوا الحظوة في مصنفاتهم, فسارت في الناس في حياته رحمه الله , ويذكرون أنه رحمه الله قد جاء شاب من بلاد فارس في حياته رحمه الله, وكان هذا الشاب يحفظ كتابه (جامع المسانيد) , ويحفظ تفسير (الكشاف) للزمخشري, وغيره من الكتب, فجاء إلى الإمام ابن كثير فاختبره في بعض ما يحفظه من الصحيحين وغيرها, فجاءه فأجازه الإمام ابن كثير رحمه الله بكتابه (جامع المسانيد) وبغيره, وقال له "إن لك شهرة ولكتبك قبولا عندنا في بلاد فارس", وهذا في حياته رحمه الله.
الإمام إسماعيل بن عمر بن كثير وُلد لأب عالم, وكان أبوه قاضيا ومحدثا وعالما, من أهل بُصرى في الشام, فيُقال في نسبه "البصروي", نسبة إلى بصرى من بلاد الشام, وكان أبوه رحمه الله من علماء مدينة بصرى , وكان أيضا خطيبا في مدينة مَجْدَل أو قرية اسمها مَجْدَل قريبة من بصرى, ثم تزوج بعد ذلك أبوه عمر من مدينة المجدل أو من قرية المجدل , وبقي بها خطيبا لمسجدها مدة طويلة, وتوفي والده وهو طفل صغير لا يكاد يدرك, وأظن الذين قدروا حتى تاريخ ولادة الإمام ابن كثير رحمه الله يستندون في ذلك إلى قوله "إنه قد توفي والدي سنة سبعمئة وثلاثة من الهجرة (703 هـ) وأنا لا أكاد أذكره إلا كالحلم", فقدر العلماء ولادة الإمام ابن كثير رحمه الله _إسماعيل بن كثير_ سنة سبعمئة من الهجرة (700 هـ) , فإذا هو قد ولد سنة سبعمئة من الهجرة, وكفله بعد ذلك أخوه عبد الوهاب, أخوه عبد الوهاب قد أخذ عن أبيه علما غزيرا , فلما نشأ المفسر شيخنا في هذه الحلقة الإمام إسماعيل بن عمر بن كثير أخذ العلم عن أخيه عبد الوهاب, فحفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة تقريبا من عمره, ثم أخذ بطلب العلم, فطلب الحديث, وقرأ التفسير على أخيه, وقرأ بعد أن اشتد عوده على كثير من العلماء.
من أبرز من قرأ عليهم الإمام ابن كثير رحمه الله: الإمام العلامة المحدث المزي صاحب (تحفة الأشراف) وصاحب كتاب (تهذيب الكمال في أسماء الرجال) , وهو محدث كبير, وقد أحبه الإمام ابن كثير حبا شديدا وتعلق به, وأيضا أحبه الشيخ المزي, ولذلك زوجه ابنته زينب, فزينب زوجة الإمام ابن كثير هي ابنة الشيخ المزي رحمهم الله رحمة واسعة.
والإمام المزي رحمه الله كان يحب شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرا ويثني عليه, وأيضا الإمام ابن كثير رحمه الله كان يحب شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرا ويميل إليه, وقد تتلمذ عليه, فالإمام ابن كثير رحمه الله قلنا أنه ولد سنة سبعمئة للهجرة, وتوفي الإمام ابن تيمية رحمه الله سنة سبعمئة وثمانية وعشرين من الهجرة (728 هـ) , فهو قد أدركه ما يقارب 28 سنة, فأقل ما أدركه لا يقل عن عشر سنوات, مكث فيها يطلب العلم على يد شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية, وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أثر بالغ في تفسير الإمام ابن كثير الذي سوف نتحدث عنه في هذه الحلقة.
الإمام ابن كثير رحمه الله له عدد من الإخوة والأخوات هو أصغرهم, لذلك اسم "إسماعيل" هو ذكر أنه: قد ولد لأبيه من أم أخرى _من زوجة أخرى_ عدد من الأبناء كان أكبرهم إسماعيل وعبد الوهاب, وذكر عدد من الأخوات, قال: ثم إنَّ هذا الابن وهو إسماعيل قد كبر وطلب العلم, وكان يحبه والده حبا شديدا, إلا أنه رحمه الله مات في شبابه, سقط من بناية مرتفعة, فمكث أياما ثم مات بسبب هذه الجراحة, قال الإمام ابن كثير رحمه الله "فوجد عليه والدي وجدا عظيما", فلما ولد له الإمام ابن كثير مؤلف التفسير سماه "إسماعيل", باسم ابنه الأكبر الذي توفي, قال الإمام ابن كثير "فأكبر إخواني _أو أكبر أولاد أبي_ اسمه إسماعيل, وأصغرهم وهو أنا اسمه إسماعيل".
الإمام ابن كثير رحمه الله بدأ حياته في قرية المجدل كما تقدم, ثم لما توفي والده انتقلوا إلى دمشق, فبقي في دمشق حتى توفي بها رحمه الله.
¥