بدأ الإمام ابن كثير رحمه الله بطلب العلم كما قلنا على الإمام المزي وعلى الإمام ابن تيمية, وغيرهم من العلماء في دمشق الشام, وكانت بلاد الشام في زمانه مليئة بالعلماء الكبار, كالإمام الذهبي وابن القيم, وغيرهم من العلماء الذين داروا حول شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره, وتقي الدين السبكي, وغيره من العلماء رحمة الله عليهم أجمعين.
وكان الإمام ابن كثير شافعي المذهب, فهو يصنف من فقهاء الشافعية, بل من كبار فقهاء الشافعية.
وكتابه "تفسير القرآن العظيم" قد صنفه رحمه الله بناء على رغبة جادة في تصنيف كتاب في التفسير يخلو من الاستطردات, ويخلو من الإسرائيليات, ويخلو من البدع, ويكون تفسيرا معتمدا على أصول في التفسير ذكرها في مقدمة كتابه.
نحن عندما نتحدث عن مقدمة تفسير ابن كثير لا نستطيع أن نغفل الحديث عن مقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية التي صنفها في أصول التفسير, وهي مقدمة مشهورة بين طلاب العلم "مقدمة في أصول التفسير للإمام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني رحمه الله تعالى", هذه المقدمة قد اقتبسها الإمام ابن كثير في مقدمة كتابه, فلذلك الإمام ابن تيميه رحمه الله عندما تكلم عن أحسن طرق التفسير, وقال "فإن سأل سائل _كما نقل عنه ابن كثير في كتابه_ عن أحسن طرق التفسير, فأحسن طرق تفسير القرآن الكريم هي تفسير القرآن الكريم بالقرآن, ثم يأتي بعدها تفسير القرآن بالسنة, ثم يأتي بعدها تفسير القرآن بأقوال الصحابة الذين نُقل لنا تفسيرهم للقرآن الكريم كالإمام عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وغيرهم, ثم بعد ذلك تفسير القرآن بأقوال التابعين, ثم يأتي بعد ذلك تفسير القرآن الكريم بالاستناد إلى اللغة وإلى قواعد اللغة وقواعد العربية, ثم يأتي بعد ذلك الاستنباط وما يتعلق بالقرآن الكريم من فوائد ومن أحكام".
هذه القواعد التي سار عليهم الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره أخذها برمتها من مقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية, وطبقها في تفسيره أحسن تطبيق, ولذلك تفسير الإمام ابن كثير من مزياه التي تميزت بها عن كتب التفسير التي تقدمته تفسير القرآن بالقرآن.
فعندما يأتي الإمام ابن كثير رحمه الله إلى آية من الآيات يتتبع آيات القرآن الكريم الأخرى التي شرحت هذه الآية أو دلت عليها من قريب أو من بعيد, فيوردها في هذا الموضع. فمثلا: عند تفسيره للاستعاذة جاء بكل الآيات التي في القرآن الكريم التي فيها حث على الاستعاذة {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 98] , إلى آخره. وسار على هذا المنوال, ولذلك تميز في هذا الجانب تميزا واضحا, وهو تفسيره القرآن الكريم بالقرآن.
إلا أنه هناك مسألة _أيها الإخوة_ وهي مسألة تفسير القرآن الكريم بالقرآن, عندما تقول تفسير القرآن الكريم بالقرآن ... ما معنى هذا؟ معناه: أن يأتي المفسر إلى الآية, فينظر ما هي الآيات التي شرحت هذه الآية, فيوردها, هذا يدخل فيه قدرة المفسر وعلم المفسر واستنباط المفسر, كيف يستطيع المفسر أن يثبت أن هذه الآية التي أوردها تفسر هذه الآية التي بين يديه, هذا يدخل في التفسير بالرأي, لذلك يعتبر تفسير القرآن بالقرآن عند المفسرين هو تفسير بالرأي, فتجد بعض المفسرين يورد آية في تفسير آية أخرى وغيره لا يوردها, لأن هذا تنبه, وهذا لم يتنبه, وبعضهم يزيد على بعض في هذا, وجاء بعد ابن كثير رحمه الله من أراد أن يستوعب هذا الجانب من جوانب التفسير وهو تفسير القرآن بالقرآن, مثل الشيخ محمد المختار أو محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله, المتوفى قريبا, سنة ألف وثلاثمئة وثلاث وتسعين للهجرة (1393 هـ) , في كتابه "أضواء البيان في ايضاح القرآن بالقرآن", فركز على هذه النقطة, وهو أنه يورد الآية, بل إنه اقتصر على الآيات التي رأى أنه هناك في القرآن الكريم ما يفسرها وما يشرحها وما يبينها. هذا ما يتعلق بتفسير القرآن بالقرآن عند الإمام ابن كثير, وهو جانب تميز به الإمام ابن كثير على غيره من المفسرين الذين تقدموه.
¥