(بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) البقرة): الخطيئة إسم لما يقترفه الإنسان من آثام جرائم، فكيف تحيط الخطايا والإثم بالإنسان؟ تأمل السِوار الذي يحيط بالمعصم لا يبقي منفذاً من اليد خالياً دون إحاطة وهذه صورة الخطايا والآثام عندما تكثر فهي تلتف حول الجسم والروح ولا تدع للإنسان مجالاً لحرية من الهروب من الخطأ كذلك الفاسق لو أبصر أيمن منه وأيسر منه ولو أبصر فوقه أو أسفل منه لما رأى إلا المنكر الذي ألِفَه واعتاده.
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (84) البقرة) هذه الآية تخاطب بني إسرائيل الذين مضوا ومع ذلك جاءت بصيغة المخاطب (لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ) فما السبب في مخاطبة من مضى؟ إن المخاطبة جاءت للخَلَف من بني إسرائيل لتبين للمؤمنين أن الخلف من بني إسرائيل هم بمنزلة أسلافهم فأفعالهم واحدة وتصرفاتهم موروثة.
(لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ) جاء النهي لبني إسرائيل عن سفك دمائهم وإخراج أنفسهم من ديارهم وهل يقتل الإنسان نفسه أو يُخرِج نفسه من منزله؟ لا شك أن النهي لا يراد به نهي الإنسان عن سفك دمه أو طرد نفسه من منزله وإنما المُراد بالنهي هنا هو أن لا يسفك أحدٌ دم أحد ولا يخرجه من دياره لأن الأمة مهما تعددت أفرادها ومصالحها ولكنها تبقى كالجسد الواحد فكما لا يحب الإنسان أن يلحق الضرر بنفسه ينبغي أن يمتنع عن إلحاق الضرر بالآخرين ومن هذا القبيل قول الشاعر:
قومي هم قتلوا أميم أخي فإذا رميت يصيبني سهمي
ولئن عفوت لأعفون جللاً ولئن رميت لأوهنن عظمي
أراد أن سهمه إذا أصاب قومه فقد أضر بنفسه وهذا كله من باب تشبيه الآخر بالنفس لشدة اتصالهم ببعضهم في الأصل والدين.
والمراد أن الذين يكونون في ديانة واحدة فكأنهم نفس واحدة فاليهود عندما كانوا في ديانة واحدة فحينما يقتلون إخوانهم أو يظاهرون عليهم كأنهم يقتلون أنفسهم وحينما يُخرجون إخوانهم من ديارهم كأنما أخرجوا أنفسهم ونحن قال لنا الله تبارك وتعالى (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ (11) الحجرات) تلمزوا أنفسكم، هل هناك إنسان يعيب نفسه؟ إذا عبت أخاك فكأنما عِبت نفسك لأن أمة الإسلام أمة واحدة فينبغي إذن أن ننتبه إلى هذه الأخلاق فكما نحاسب أعداءنا عليه كذلك نقول لأنفسنا أين نحن من هذه التعاليم؟!
(وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (87) البقرة): معنى أيّدناه أي قوّيناه وشددنا أزره وعضده والعفل أيدناه مأخوذ من اليد فما صلة اليد بقويّناه؟ اليد تطلق عادة على القدرة والمنعة لأنها آلة القوة والدفاع عن النفس ومنع الآخرين من الاعتداء.
(قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (91) البقرة) جاء الفعل (تقتلون) بصيغة المضارع مع أن هذا الأمر قد مضى في عهود سابقة ولكن الله تعالى عبّر عنه بالمضارع لتبقى مستحضراً لهذا الفعل الشنيع الذي قد ارتكبه اليهود من قتلهم لأنبياء الله.
(وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ (93) البقرة) الإشراب هو أن تسقي غيرك وتجعله يشرب، فكيف أُشربوا العجل؟. إن الشرب هو جريان الماء في عروق الإنسان وقد عبّر الله تعالى عن شدة شغف اليهود بالعجل بشرب الماء لأن الماء أسرى الأجسام في غيره ولذلك يقال الماء مطية الأدوية ومركبها التي تسافر به في أقطار البدن فجعل شدة حبهم للعجل وعدم قدرتهم على إخراج هذا الحب الذي خالطهم أشبه ما يكون بالماء الذي لا غنى لأحد عنه وهو يسري في عروق الإنسان فيصبح جزءاً من جسم الإنسان وكذلك حُب بني إسرائيل للعجل خالط لحومهم ودماءهم حتى غدا جزءاً منهم.
¥