تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[سعاد عبداللطيف]ــــــــ[25 Aug 2010, 11:59 م]ـ

قلوب الصائمين

الدرس (25)

الحياء

الحمد لله لا يستحيي من بيان الحق وتوضيحه) إنَّ اللهَ لا يَستَحيِي أنْ يَضرِبَ مَثَلا ًمَا بَعُوضَة ً فَمَا فَوقَهَا ( .. والصلاة والسلام على أشرف أنبياءه ورسوله ..

أما بعد ...

إن قلوب المؤمنين تتصف بصفة الحياء .. فهي تستحي من الله، وتستحي من عباد الله .. والصوم من الأعمال الصالحة التي تزيد من وجود الحياء في القلوب، وبالحياء يعظم أجر الصائم ويكثر ثوابه.

الحياء صفة تدفع إلى الإعراض عن القبيح ترفّعا ًعنه، الحياء مشتق من الحياة، فإن القلب الحي يكون صاحبه حيّا، فيه حياء ٌ يمنعه عن القبائح، فإن حياة القلوب هي المانعة من القبائح التي تُفسد القلب، إذ إنّ الحي يدفع ما يؤذيه بخلاف الميت الذي لا حياة فيه فإنه يُسمى وقحا، والوقاحة الصلابة وهو اليبس المخالط لرطوبة الحياء، فإذا كان وقحا ًيابسا ًصليب الوجه لم يكن في قلبه حياء توجب حياءه وامتناعه من القبيح.

الحياء مادّة حياة القلب .. وهو أصل كل خير، وذهاب الحياء ذهاب الخير أجمع، إن الذنوب تُضعف الحياء عند العبد حتى ربما انسلخ من الحياء بالكليّة بسبب الذنوب، بحيث لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ..

من استحيى من الله عند معصيته .. استحيى الله من عقوبته يوم لقاه .. خلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلّها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا، بل إن خلق الحياء هو خاصيّة الإنسانية، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم.

ولولا خُلُقُ الحياء الفاضل .. لم يكرم الضيف ولم يوفى بالوعد ولم تؤدّى أمانة، ولم تُقضى لأحد حاجة، ولا تحرّى الرجل الجميل فآثره، ولا ستر لغيره عورة، ولا امتنع من فاحشة.

كثير من الناس لولا الحياء لم يؤدٍّ شيئا ً من الأمور المفترضة عليه، ولم يرعَ لمخلوق حقّا، ولم يصل رحما ًولا بر والدا، لأن الباعث على هذه الأمور إما أن يكون دينيًا وهو رجاء عاقبتها الحميدة في الآخرة، وإما أن يكون دنيويا ًعلويا وهو حياء فاعلها من الخلق، فلولا الحياء إما من الخالق أو من الخلائق لم يفعل صاحبها تلك الفضائل ..

إن الحياء نور في قلب العبد .. يجعله ذلك الخلق يرى أنه واقف بين يدي ربّه، فيستحي من الله في خلواته فضلا ًعن غيرها، جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن مما ورث الناس من كلام النبوّة الأولى إذا لم تستحي .. فاصنع ما شئت}.

ومما يبعث على الحياء .. أن الله عزّ وجل يحب الحياء ويأمر به، ففي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {الحياء شعبة من الإيمان}، وفيهما {الحياء خير كله} ..

ومما يدفع إلى الحياء .. أن يعلم العبد أن أنبياء الله عليهم السلام يتصفون بصفة الحياء، ففي الصحيح أن موسى عليه السلام كان حييّا ًستّيرا لا يُرى من جلده شيء استحياءً من الله، وفي الصحيحين [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ حياءً من العذراء في خدرها] يعني المرأة غير المتزوجة أو في ليلة زواجها في خدرها فإنه يكون في قلبها من الحياء ما الله به عليم .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان رضي الله عنه: {ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة} وقال أنس: {كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء}

من الأمور الدافعة إلى أن يتخلّق الإنسان بخلق الحياء .. أن يرى العبد كثرة نعم الله عليه مع تقصيره في جناب ربّه، فإذا قارن العبد بين نعم الله وبين تقصيره توّلد من ذلك الحياء من الله.

إن من أسباب وجود الحياء في قلوب المؤمنين .. أن يستشعر العبد اطلاع الله عليه بحيث يجعله ذلك يستحيي من ربه، فإن العبد متى علم أن الربّ جل وعلا ينظر إليه ويطّلع على جميع شأنه أورثه ذلك الحياء من الله.

إن شدّة محبة العبد لربه تجعله يستحيي من الله .. إذ إن نفس المؤمن لا تُطاوعه على إلقاء جلباب الحياء عند محبوبه جلّ وعلا.

ومن الأمور الدافعة إلى التخلق بخلق الحياء .. كثرة المنافع والفوائد التي يجلبها الحياء، ففي الصحيحين من حديث عمران ابن حصين رضي الله عنهما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {الحياء لا يأتي إلا بخير} وفي السنن {ما كان الحياء في شيء قط إلا زانه}.

الحياء يجعل النفس تتحمل أعباء الطاعات ..

الحياء يُبعد العبد عن معاصي الله ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير