لمَّا وصل سيد قُطُب إلى الجُزء الثّامن والعشرين، والتّاسع والعشرين، والثّلاثين. بدأ يَكتُب بطريقةٍ أكثر عُمقاً في التّفسير، وتبيَّن له أنّه فرّطَ فيما كتَبَ سابقاً، لأنه كان فيما كتبه سابقاً يكتُب الآيات ثُمَّ يُعلِّق عليها تعليقات، ولكن لمَّا وصل إلى الأجزاء الأخيرة بدأ يتوقّف وقفات كثيرة مع الآيات، ويُضفي عليها، وأنّ القرآن الكريم جاء لكي يُغيّر المجتمع ويُغيّر النّاس وبدأ يقف مع الآيات. وهو ناقد أدبي من الطِّراز الأوّل ويُحسن التَّحليل الأدبي للنُّصوص فلمَّا وقف مع هذه السُّور. وجد أنّه في حاجة ماسَّة إلى أنّه يعود من أوّل القرآن فيكتُب من هذا المنهج. لمّا وصل للجُزء الثّامن والعشرين، والتّاسع والعشرين، والثّلاثين وانتهى. بدأ يُعيد وهو لا يزال في السِّجن، بدأ يُعيد كِتابة التَّفسير من أوّله، ورأى أنّه في حاجّة وهذه تُسمّى الطبعة الثّانية المُنَّقَحة، طبعاً البابي الحلبي طبعت الاجزاء الأولى وانتشرت في النّاس. لمّا دخل السِّجن بدأت دُور النّشر في بيروت تعيد الطباعة وتنشر وتُصوّر بغير إذن. فلمَّا بدأ يعيد التّفسير عاد الجزء الأوّل والثاني والثّالث والرّابع وصل إلى نهاية الجزء الثالث عشر. طبعاً الدّكتور صَلاح الخَالدي يُسمِّي هذه الفترة مرحلة التّفسير الحركي للتّفسير. وله كتاب اسمه المنهج الحركي في تفسير ظلال القرآن". لمّا وَصَل سيد قُطب إلى نهاية الجزء الثالث عشر قُتِلَ رحمه الله ولم يُكمل. لذلك من الجُزء الرّابع عشر إلى الجُزء السَّابع والعشرين ما زالت الطَّبعة الأُولى أو المرحلة الأولى.
ولذلك أنصح الإخوة القُرّاء أن يقرأوا مواضع فعلاً مُميّزة جِدّا من تفسير سيد قُطب مع أنّها حتى من المرحلة الأولى ليست كُلّها على وتيرة واحد فيها إبداع وفيها تميّز. مثلا تفسيره لسورة فاطر (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) الآية:2 من سورة فاطر أنا أدعو القُرّاء أن يقرأوا هذا الموضع من تفسير في ظلال القرآن، تفسيره لسورة الأنعام ومقدّمته لها لا نظير له، تفسيره لسورة الأنفال لا نظير له. استطاع أن يكتب فيها كتابة مُميّزة لم يُسبق إليها، فهذه قصّة كتاب في ظلال القرآن باختصار.
تابع (فقرة في الميزان)
ـ[أم عبدالباري]ــــــــ[11 Dec 2010, 10:33 م]ـ
http://forsanelhaq.com/Rmdan/buttons/quote.gif
((( ما يفتح اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)))
وحين تستقر هذه العقيدة في قلب إنسان تتحول تصرفاته وتعتدل موازينه؛ لأنها تقطعه عن كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله. وتغنيه عن كل رحمة في السماوات والأرض وتصله برحمة الله. وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض، وتفتح أمامه باب الله.
يجد هذه الرحمة من يفتحها الله له فيكل شيء، وفي كل حال , وفي كل مكان. . يجدها في نفسه ,ويجدها فيما حوله , حيثما كان , وكيفما كان، ولو فقد كل شيء مما يعد الناس فقده هو الحرمان. . ويفتقدها من يمسكها الله عنه في كل شيء , وفي كل وضع , وفي كل مكان، ولو وجد كل شيء مما يعده الناس علامة الوجدان والرضوان.وما من نعمة - يمسك الله معها رحمته - حتى تنقلب هي بذاتها نقمة. وما من محنة –تحفها رحمة الله - حتى تكون هي بذاتها نعمة. . ينام الإنسان على الشوك - مع رحمة الله - فإذا هو مهاد. وينام على الحرير - وقد أمسكت عنه - فإذا هو شوك القتاد.
ويعالج أعسر الأمور - برحمة الله - فإذا هي هوادة ويسر. ويعالج أيسر الأمور – وقد تخلت رحمة الله - فإذا هي مشقة وعسر. ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام. ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار! يبسط الله الرزق - مع رحمته - فإذا هو متاع طيب ورخاء ; وإذا هو رغد في الدنيا وزادإلى الآخرة. ويمسك رحمته , فإذا هو مثار قلق وخوف.
يمنح الله الذرية - مع رحمته - فإذا هي زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع ,ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح الذي يذكر الله. ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء , وسهر بالليل وتعب بالنهار!
ويهب الله الصحة والقوة - مع رحمته - فإذا هي نعمة وحياة طيبة , والتذاذ بالحياة. ويمسك نعمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي , فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح , ويدخر السوء ليوم الحساب!
ـ[أم عبدالباري]ــــــــ[11 Dec 2010, 10:38 م]ـ
ويعطي الله السلطان والجاه - مع رحمته - فإذا هي أداة إصلاح , ومصدر أمن, ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر. ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما , ومصدر طغيان وبغي بهما , ومثار حقد وموجدة على صاحبه مالا يقر له معهما قرار , ولا يستمتع بجاه ولا سلطان ,ويدخر بهما للآخرة رصيداً ضخماً من النار! والعلم الغزير. والعمر الطويل. والمقام الطيب. كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال. . . مع الإمساك ومع الإرسال. . وقليل من المعرفة يثمر وينفع , وقليل من العمر يبارك الله فيه. وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة.
ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال.
وجدها إبراهيم – عليه السلام - في النار.
ووجدها يوسف - عليه السلام - في الجب كما وجدها في السجن.
ووجدها يونس - عليه السلام - في بطن الحوت في ظلمات ثلاث.
ووجدها موسى – عليه السلام - في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة , كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه.
ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور. فقال بعضهم لبعض: (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته).
ووجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار. .
ووجدها كل من آوى إليها يأساً من كل ما سواها. منقطعاً عن كل شبهة في قوة , وعن كل مظنة في رحمة , قاصداً باب الله وحده دون الأبواب
¥