كما يقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله تعالى: "إن الموعظة إن لم تتأد في أسلوبها الحي كانت بالباطل أشبه، وإنه لا يغير النفس إلا النفس التي فيها قوة التحويل والتغيير، كنفوس الأنبياء ومن كان في طريقة روحهم، وإن هذه الصناعة إنما هي وضع البصيرة في الكلام، لا وضع القياس والحجة".
ويؤكد ذلك الأستاذ عبد الوهاب عزام رحمه الله تعالى فيقول: "ولا ينطق بكلمة الحق الخالدة إلا عقل مدرك، وقلب سليم .. إلا قائل يعتد بنفسه ويثق برأيه، فيرسل الكلام أمثالاً سائرة، وبيناتٍ في الحياة باقية، لا يصف وقتاً محدوداً، ولا إنساناً فرداً، ولا حدثاً واحداً، ولكنه يعمّ الأجيال والأعصار، والبلدان والأقطار"، ولن يصل حديثك في قلوب المدعوين إلا بدرجة وصوله إلا قلبك، كما يقول التابعي شهر بن حوشب: "إذا حدَّث الرجلُ القومَ، فإن حديثه يقع من قلوبهم موقعه من قلبه".
هذه هي القضية باختصار، أن تحسن صلتك بربك، أن تقتنع أنت بفكرتك أولاً، أن تكون في نفسك قوة التحويل والتغيير، أن تثق بها لدرجة أن تعتد بنفسك وبرأيك، فتخرج كلماتك من قلبٍ متصلٍ بخالقه، ونفسٍ فيها قوة التحويل والتغيير، وفكرٍ كله اقتناعٌ وثقةٌ، فتُسَلَّم المملكة والسلطنة، ويعمّ خطابك البلدان والأقطار.
القاعدة الثانية: القدوة:-
وهي حقاً كما يقول الرافعي رحمه الله: "الأسوة وحدها هي علم الحياة" والدعوة هي الحياة، فالأسوة وحدها هي علم الدعوة، وعلم الدعوة كله هو الأسوة الحسنة، وهذا ما فهمه أسلافنا، فقال الإمام الشافعي رحمه الله: "من وعظ أخاه بفعله كان هادياً"، وكان عبد الواحد بن زياد يقول: "ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم منه"، و"إن العالِم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا" أي قطرة الندى عن الصخرة الملساء، كما يقول مالك بن دينار رحمه الله تعالى.
فانتبه أخي الداعية، فالقدوة مركز حساس خطير، و"إنك إمامٌ منظورٌ إليك" كما قال إمام المدينة يحيى بن سعيد الأنصاري من قبل، ونقول لك اليوم: " إنك داعيةٌ منظورٌ إليك".
القاعدة الثالثة: العلاقة الشخصية:-
كثيراً ما نغفل أثناء ممارستنا للدعوة عن تكوين علاقةٍ شخصيةٍ حقيقيةٍ مع المدعو، ولست أعني هنا مجرد وجود العلاقة، وإنما أعني العلاقة الشخصية الحقيقية، التي تنبني أول ما تنبني على المعنى الإنساني الخالص، أن أوجد بيني وبين من أدعوه جسراً من المودة والحب، خيطاً من الاتصال ليس من ورائه غرض، حتى ولو كان هذا الغرض هو الدعوة.
وحتى لا يساء فهم هذا الكلام، فليس معنى ذلك تكوين علاقةٍ مع المدعو بغرض الدعوة أمر سيئ، لا أبداً، إنما المقصود تحديداً هو: استغراقنا أحياناً كثيرةً في التفكير في تكوين علاقةٍ مع المدعو بهدف الدعوة، فننسى العلاقة الطبيعية، فتجدنا نتصرف دون أن نشعر بطريقةٍ غير مناسبة أو لائقة، فمثلاً: لو استجاب المدعو إلينا، وتقدم معنا في البرنامج الدعوي، فإننا نقلل دون أن نشعر من اهتمامنا به، ونوجه هذا الاهتمام إلى مدعو جديد، بحجة أنه أصبح على الدرب، وكذلك لو وجدنا تقدماً بطيئاً من مدعو آخر، فإننا نقلل من اهتمامنا به لنوجه الاهتمام إلى غيره، وهذا الأمر في الحالتين يؤثر في نفس الشخص المدعو، فلنتذكر دائماً أن العلاقة الشخصية الإنسانية هي الأساس.
القاعدة الرابعة: التجدد:-
من أكثر ما يعيق المرء في عمله الدعوي التقليدية والنمطية، فيفقد هو المتعة، ولا يجد المدعو نحوه بريقاً أو جاذبية، فلينتبه الدعاة لذلك، وليبحثوا دائماً عن الجديد، في الثقافة والمعلومة، في الوسيلة والطريقة، في المكان والتوقيت، المهم أن يجد المدعو شيئاً يجذبه إليه، ويشوقه للقائه، ولو تخيلنا أننا أمام جهاز تلفازٍ يعرض أموراً جديدة باستمرار، للقينا أنفسنا تنساق إليه دونما وعي بل برغبةٍ وحبٍ، فليكن الداعية جهاز عرض الخير، ومعرض الإفادة والمتعة والتشويق.
- وأما التي في الوسيلة، فهي:
القاعدة الأولى: استخدم لغة القلوب:-
¥