تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولأهمية هذه الثنائية في الثقافة العربية الإسلامية، فقد كانت محط اهتمام الباحثين والدارسين على اختلاف بيئاتهم ومعارفهم، فتعددت حولها النظريات وتضاربت حولها الآراء، واختلفت المناهج والمصطلحات من حقل لآخر. ونستطيع أن نقول إن التداخل والترابط الذي تتسم به ثقافتنا العربية الإسلامية، جعل من هذه الثنائية إرثا مشتركا بين جميع البيئات المعرفية، لأن الاهتمام بها كان يستهدف أساسا خدمة النص القرآني، ودراسته وتحليله، فكان لكل بيئة نصيبها من بحث هذه القضية ومعالجتها بما يتناسب وطبيعة المادة الموصوفة.

وإذا كانت هذه الثنائية قد عرفت تنوعا وتوسعا في البحث والدراسة، فإن وجودها داخل حقول معرفية متنوعة، ومعالجتها وفق مناهج ونظريات متباينة لم يتح لهذه الثنائية أن تصبح زوجا اصطلاحيا مفهوميا بحيث "يغدو كل طرف من طرفيه دالا على تصور محدد…ودالا على تصور لازم لعلاقته بالآخر، أو أن يكون حضور هذا الزوج بطرفيه مقترنا بتصور محدد لطبيعة العلاقة بينهما، سواء داخل المجالات المعرفية المختلفة، أو داخل مجال واحد". فقد تعامل المتكلمون مع مشكلة اللفظ والمعنى على نحو يختلف عما كان عليه الأمر مع الأدباء أو النقاد، وتعرض لها الأصوليون في بحوثهم ودراساتهم على نحو آخر يختلف عما كان عليه الأمر مع الفقهاء واللغويين والفلاسفة، فكل بيئة كانت تعرض لهذه القضية وتتناولها من زاويتها الخاصة، وتذهب فيها مذاهب، وتؤلف حولها آراء ونظريات، وإن كان الأساس الذي ترتكز عليه جميع هاته البيئات يكاد يكون واحدا، وهو خدمة النص القرآني حيث هذه الغاية المحور الأساس لمسار جميع العلوم العربية والإسلامية.

وفي تقديري فإن الكشف عما توصلت إليه هذه البيئات -رغم ما بينها من تداخل وتشابك – من إنجازات تتصل بقضية اللفظ والمعنى، يعد خطوة أساسية للكشف عن الأساس النظري المتكامل لهذه الثنائية، وذلك من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية: ما تصور كل بيئة لثنائية اللفظ والمعنى؟ وما هو العنصر الذي ركزت عليه دون غيره؟ وما أسباب هذا التفضيل؟.

وحيث إن مجال هذه الدراسة لا يتسع للحديث عن كل الحقول المعرفية التي تناولت قضية اللفظ والمعنى بالدراسة والبحث (تفسيرا وفلسفة ونحوا وفقه لغة وبلاغة ونقدا وأدبا وفقها وأصولا)، فقد فضلنا أن نتناول بالدراسة جهود البلاغيين واللغويين الذين كانت لهم نظرات ثاقبة في هذه القضية تنم عن اتساع أفق معرفتهم بدليل ما خلفوه من أبحاث ومؤلفات، وما أرسوه من مبادئ علمية أصيلة بخصوص اللفظ والمعنى، ثم ربط هذه الجهود ومقارنتها بالدراسات اللغوية الحديثة، وبذلك نساهم في إعادة قراءة قضية اللفظ والمعنى تبعا لمعطيات الدراسة الدلالية الحديثة.

2 - اللفظ والمعنى عند البلاغيين

نبدأ هذه الدراسة بالبلاغيين، فهم أصحاب الملاحظات الأولى لقضية اللفظ والمعنى التي مهدت الطريق أمام غيرهم من العلماء.

لقد شغلت قضية (اللفظ والمعنى) عددا كبيرا من البلاغيين، فبحثوا العلاقة بين اللفظ ومعناه، ونوع هذه العلاقة، والضوابط التي تحكمها، ولاشك أن أهم ما توقف عنده البلاغيون في دراستهم لهذه العلاقة هو مبحث الحقيقة والمجاز، فقد ميز البلاغيون بين لونين متقابلين من الكلام انطلاقا من الاستعمال العادي للفظة أو الكلمة وهو الحقيقة، والاستعمال غير العادي لها وهو المجاز، وهذا ما عبر عنه الدكتور محمد الحفناوي بقوله "إن الكلمات المستعملة في تعبير ما إما أن تستخدم في دلالاتها الموضوعة لها في اللغة فيكون الأسلوب من قبيل الحقيقة، وإما أن ينحرف المستعمل لتلك الكلمات عن تلك الدلالة الوضعية

ومازال الحديث موصولا:

(إلى دلالة أخرى يراها أكثر تمثيلا لمعناه، فيكون الأسلوب حينئذ من قبيل المجاز". فإذا قلنا (جاء الأسد) وقصدنا الدلالة على الحيوان الذي اصطلح على تسميته بالأسد، فإن العلاقة بين لفظ الأسد والحيوان، أو بين اللفظ ومعناه علاقة مواضعة، أما إذا قلنا (جاء الأسد) وكنا نقصد وصف شجاعة (زيد) أو (عمرو)، فإن لفظ (أسد) يدل هنا على المجاز. والمجاز كما يعرفه عبد القاهر "كل كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثاني والأول فهي مجاز، وإن شئت قلت كل كلمة جزت بها ما وقعت له في وضع الواضع، إلى ما لم توضع له من غير أن تستأنف فيها وضعا لملاحظة بين ما تجوز بها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير