تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن المسائل التي شغلت البلاغيين ضمن قضية اللفظ والمعنى مسألة الفصاحة، وهل هي من عوارض الألفاظ، أم من عوارض المعاني، أم لمجموعهما. أما أنصار اللفظ فاعتبروها من صفات اللفظ وخصائصه، وهو ما يشير إليه كلام ابن سنان "أن الفصاحة على ما قدمنا نعت للألفاظ، إذا وجدت على شروط عدة، ومتى تكاملت تلك الشروط فلا مزيد على فصاحة تلك الألفاظ، وبحسب الموجود منها تأخذ القسط من الوصف، وبوجود أضدادها تستحق الاطراح والذم". وقد اشترط ابن سنان لفصاحة اللفظ شروطا ثمانية نجملها فيما يلي: أن تؤلف اللفظة من حروف متباعدة المخارج لتكون خفيفة على اللسان، وأن نجد لتأليف

ـ[رحيل2007]ــــــــ[11 - 10 - 2009, 11:10 ص]ـ

ومازال الحديث موصولا:

(إلى دلالة أخرى يراها أكثر تمثيلا لمعناه، فيكون الأسلوب حينئذ من قبيل المجاز". فإذا قلنا (جاء الأسد) وقصدنا الدلالة على الحيوان الذي اصطلح على تسميته بالأسد، فإن العلاقة بين لفظ الأسد والحيوان، أو بين اللفظ ومعناه علاقة مواضعة، أما إذا قلنا (جاء الأسد) وكنا نقصد وصف شجاعة (زيد) أو (عمرو)، فإن لفظ (أسد) يدل هنا على المجاز. والمجاز كما يعرفه عبد القاهر "كل كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثاني والأول فهي مجاز، وإن شئت قلت كل كلمة جزت بها ما وقعت له في وضع الواضع، إلى ما لم توضع له من غير أن تستأنف فيها وضعا لملاحظة بين ما تجوز بها إليه، وبين أصلها الذي وضعت له في وضع واضعها فهي مجاز".

والمجاز باعتباره مصطلحا بلاغيا، يعتبر وسيلة فنية يلتجأ إليها للتحرر من الضيق اللفظي، وللاتساع في المعنى وتعميقه، وإلباسه حلة جديدة غير التي عرفها عند التعبير الحقيقي، لذلك حظي بعناية فائقة من لدن العلماء القدامى من نقاد وأصوليين وبلاغيين لما له من خصائص فنية، أهمها تحميل اللفظ معاني مستحدثة لا يستوعبها اللفظ نفسه في أصل وضعه الحقيقي. ولذلك نجد البلاغين يفرقون بين المعاني الأولى والمعاني الثانية للألفاظ، فالمعاني الأولى هي دلالات اللغة قبل أن تتطور، أو قبل أن يتصرف الأدباء في استعمالاتها، وأما المعاني الثانية فترتبط بالحالات النفسية والاجتماعية التي يعيش فيها المجتمع أو بعض أفراده. فإذا تأملنا قوله تعالى ?والله محيط بالكافرين?. نجد كلمة (محيط) تتضمن معناها الأصلي وهو الإحاطة، ولكنها على الصعيد المجازي تحمل دلالة بارزة جديدة، تتعدى معنى الإحاطة التقليدية، فإحاطته تعالى هنا ليست إحاطة مكانية أو جسمية كإحاطة القلادة بالجيدة، أو السوار بالمعصم، وإنما هي إحاطة مجازية مطلقة خارجة عن حدود الإحاطات المتعارفة، فهي "إحاطة ذي القوة بمن ليس له قوة، وذي الحول بمن لا حول له، وكإحاطة ذي الشأن المتعالي، بمن لا يدانيه سيطرة وأعدادا".

وكما بحث البلاغيون في نوع العلاقة التي تربط اللفظ بمعناه، بحثوا كذلك في الألفاظ وهيئاتها والمعاني وأحوالها، وحددوا أوصافا للمعنى وأخرى للفظ. وقل بلاغي لم يعرض لما ينبغي أن يتوافر لكل منهما من أسباب الجودة ومظاهر الإتقان، وتعتبر صحيفة (بشر بن المعتمر) المعتزلي (ت.210هـ) من أقدم النصوص البلاغية التي عالجت قضية اللفظ والمعنى وحددت أوصافا لكل منهما، وأمدت الشاعر والأديب بالتوجيهات التي يسير على هداها في كل حال، ومما جاء في هذه الصحيفة "وإياك والتوعر، فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك، ومن أراغ معنى كريما فليلتمس لفظا كريما، فإن حق المعنى الشريف للفظ الشريف، ومن حقهما أن تصونهما كما يفسدهما ويهجنهما…فكن في ثلاث منازل، فإن أولى الثلاث أن يكون لفظك رشيقا عذبا وفخما سهلا، ويكون معناك ظاهرا مكشوفا، وقريبا معروفا، إما عند الخاصة إن كنت للخاصة قصدت، وإما عند العامة إن كنت للعامة أردت".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير