تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكانت المفاجأة عجيبة – بمصدرها، وكيفيتها، وأطوارها – ثم كانت عجيبة العجائب بنتائجها التى لا تزال إلى اليوم من معجزات التاريخ.

أين كان هؤلاء؟ وكيف تكونوا على حين غفلة من الأمم؟ وما هذه الرسالة التي يحملونها؟ وكيف نجحت؟ وما هي وسائل نجاحها (2).

سلسلة من الأسئلة لا يكاد الناس يتساءلون بأولها حتى يفاجأوا بما ينسيهم تاليه أوله. إلى أن رأوا من صفات هذه الأمة المثالية ما ايقنوا به أنها تحمل إلى الإنسانية رسالة الحق والخير، وأنها تترجم عن رسالتها بأخلاقها، وسيرتها وأعمالها، وأن الذي اعتقدته وتخلقت به ودعت الأمم إليه هو الحق الذي قامت به السماوات والأرض.

وكما تساءل الناس عن هذه العجائب في زمن وقوعها، ثم أنساهم بعضها بعضاً. كذلك نحن نتساءل اليوم عن كثير من اسرارها. وبالرغم من ضياع العدد الأكبر من المراجع القديمة فيما احترق مع بيوت الفسطاط ومدارسها وجوامعها مدة أربعة وخمسين يوماً (3)، وفيما غرق دجلة أيام ابن العلقمي ومستشاره ابن أبي الحديد (4)، وفيما خسرناه بضياع الأندلس وكوارث الحروب الصليبية، وفيما فرطنا به في أزمان الجهل والانحطاط – بالرغم من كل هذا – فإن النفوس استيقظت الآن لدراسة أحوال ((الجيل المثالي)) الفذ الذي عرفته الدنيا، ولنقد الأصيل والدخيل من اخباره، وتحليل عناصر الخير التى أنطوى عليها، ومعرفة الأسباب التى صار بها جيلاً مثالياً، لتستفيد الإنسانية من الأقتداء به، والتأسي بسننه واخلاقه وتصرفاته.

وأول ما نعلمه ونؤمن به من أسباب الكمال في هذا الجيل المثالي أنه تلقى تربيته على يد معلم الناس الخير خاتم رسل الله المبعوث بأكمل رسالات الله

.إن هذا السبب في طليعة أسباب الكمال لهذا الجيل المثالي، لا يشك أحد ذلك عاقل فضلاً عن مؤمن. ولكن يحق لنا أن نتسائل:

ألم يكن موسى أحد المبعوثين برسالات الله؟

ألم يتح لموسى أن يعاشر قومه في الحل والترحال معاشرة تربية ودعوة أكثر من أربعين سنة؟ ومع ذلك فقد جاء في ((سفر العدد)) من التوراة الموجودة الآن في ايدي قومه (14: 26 – 27) ما نصه: ((وكلم الرب التوراة وهارون قائلاً: حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة عليَّ؟ ((29)) ((في هذه الفقرة تسقط جثثكم جميع المعدومين منكم حسب عددكم، من ابن عشرين فصاعدا الذين تذمروا عليّ)).

أين – من أصحاب موسى هؤلاء – اصحاب محمد عليهما صلاة الله وسلامه يوم سار بهم إلى بدر وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ليناجزوا ثلاثة أضعافهم من أهل الرجولة والحماسة والبأس، فلما بلغ النبي بهذه القلة القليلة من أصحابه وادي ذفران أراد أن يختبر إيمانهم، فأخبرهم عن ريش، واستشارهم في الموقف. فقام الصديق أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب الذي أعز الله به الإسلام فقال واحسن، ثم قام فارسهم المقداد بن عمرو (الأسود) الكندي فقال: ((يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك. والله ل نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: أذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه))، فقال له رسول الله ? خيراً، ودعا له. ثم قال رسول الله ?: ((اشيروا عليَّ أيها الناس)). فقال له سعد بن معاذ سيد الخزرج واقوى زعيم في الأنصار: ((والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟)) قال: ((أجل)). قال سعد: ((فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة. فامض يا رسول الله لما اردت فنحن معك. فوالذي بعثك بالحق لو أستعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً. إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ماتقر به عينك. فسر بنا على بركة الله)). وقد كان عملهم أبين من قولهم وأصدق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير