تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- هكذا كانوا في مواقف البأس وعند الشدائد. ورأيناهم في تحريم الحقوق وإذعانهم للإنصاف والعدل في حياتهم السلمية كما تحدثت عنهم أم سلمة رضي الله عنها – فيما رواه عنها الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه – قالت: ((جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث قد درست ليس بينهما بينه، فقال لهما رسول الله ?: إنكم تختثمون إليّ، وأنما أنا بشر، ولعل بعضكم الحن بحجته من بعض، وإنما اقضى بينكم على نحو مما اسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا ياخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها اسطاماً في عنقه يوم القيامة فبكي الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقى لأخي! فقال رسول الله ?: أما إذا قلتما ذلك فأذهبا، فاقتسما ثم توخيا الحق، ثم استهما (أي اعملا قرعة على القسمين بعد قسمهما)، ثم ليحل كل واحد منكما صاحبه)).

- وهذان الرجلان المثاليان في الإيمان بالحق لا نزال إلى الآن نجهل أسميهما، لأنهما من عامة الصحابة لا من خواصهم الممتازين بالفضائل الإنسانية النادرة المثال كالعشرة المبشرين بالجنة وطبقتهم ممن اختصم النبي صلى الله عليه وسلم بالمكانة والمناقب وهذه الطريقة في تربية محمد صلى الله عليه وسلم لصحابته على محبة الحق، واستجابة أصحابه له فيما أحب صلى الله عليه وسلم أن يكونا عليه، قد أشاعت هذا الخلق في الخاصة والعامة من أبناء ذلك الجيل المثالي. فلما كانت خلافة الصديق رضوان الله وسلامه عليه ناط منصب القضاء برمز العدالة في الإنسانية – وهو عمر بن الخطاب – فكانت تمر على عمر الشهر ولا ياتيه اثنان يتقاضيان عنده، وأي حاجة بهذه الأمة المثالية إلى القضاء والمحاكم وهي أمة الحق، ومن اخلاقها أن تتحرى الحق بنفسها فلا تحتاج إلى تحكيم القضاء فيه بل أن الطبقة الدنيا في هذا الجيل (وأحوالها وأخلاقها معروفة في كل جيل وقبيل) وهم ممن يستطيع الشيطان في العادة أن يغلبهم على إرادتهم في بعض الأحيان فيقعون في زلة يستوجبون عليها الحد الشرعي، فإن من أعجب ما وقع في تاريخ البشر أن يأتي من يقع في شيء من تلك الزلة من أهل تلك الطبقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعترف له بزلته، يلح بلجاجة وإصرار إقامة الحد عليه (وفي ذلك حتفه) ليتطهر مما دنسه به الشيطان. وكان نبي الرحمة إذا رأى هذا الإيمان العجيب في هذه الطبقة من أصحابه الطيبين يحاول جهده أن يدرأ الحد عنهم بكل ما يجيزه الشرع، فيأبون إلا أن يتعجلوا عقوبة الدنيا ليتقوا بها عقوبة الآخرة.وهذه الملاحظة – عن هذه الطبقة بالذات – قد سبق إلى التنويه بها والتحدث عنها إمام كبير من ائمة أهل البيت من زيدية اليمن، وهو الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة (المتوفى ببلدة كوكبان باليمن سنة 614) نقل ذلك عنه عالم الزيدية في القرن التاسع السيد محمد بن إبراهيم بن علي المترضي الوزير (775 – 840) في كتابه ((الروض الباسم)) (1: 55 – 56) فذكر تلك الطبقة وقال: ((إن اكثرهم تساهلا في امر الدين من يتجاسر على الإقدام على الكبائر، لا سيما معصية الزنا … لكنا نظرنا في حالهم فوجدناهم فعلوا مالا يفعله من المتأخرين إلا أهل الورع الشحيح والخوف العظيم، ومن يضرب بصلاحه المثل ويتقرب بحبه إلى الله عز وجل. وذلك أنهم بذلوا أرواحهم في مرضاة رب العالمين، وليس يفعل ذلك إلا من يحق له منصب الإمامة في أهل التقوى واليقين)). أي أن طبقة الدهماء في ذلك الجيل المثالي – ممن قد يقعون في الكبائر – كان لهم من صدق الإيمان والإستقامة على الحق ما يرفعهم إلى مرتبة من يحق له منصب الإمامة في امة من اهل التقوى والدين، فكيف بخاصة الصحابة الذين نزههم الله عز وجل عن اصغر الهفوات، ورفعهم إلى أعلى الدرجات. ولولا أن النبوة ختمت بمربيهم وهاديهم إلى الحق صلى الله عليه وسلم لما كان مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أقل من الأنبياء الذين سلفوا في الأمم الأخرى. وإن هذا الذي يتكلم عن الزناة من دهماء الصحابة واستحقاقهم لمنصب الإمامة إمام من علماء أهل البيت يعني ما يقول، ويعلم معني أقواله. لكنه رأى هذه الطبقة في ذلك ((الجيل المثالي)) قد صدر عنها من صدق الإيمان ما لم تر أمة من امم الأرض مثله، فحكم بعلمه، وكان منصفاً لنفسه وللحق،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير