تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال أحمد بن فارس: وليس كل من خالف قائلا في مقالته فقد نسبه إلى الجهل، وذلك أن الصدر الاول اختلفوا في تأويل آي من القرآن فخالف بعضهم بعضا، ثم خلف من بعدهم من خلف، فأخذ بعضهم بقول، وأخذ بعض بقول، حسب اجتهادهم، وما دلتهم الدلالة عليه، فالقول اذا ما قاله أبوعبيدة، وإن كان قوم من الاوائل قد ذهبوا إلى غيره.

فإن قال قائل: فما تأويل قول أبي عبيدة: (فقد أعظم وأكبر)، قيل له: تأويله أنه أتى بأمر عظيم وكبير، وذلك أن القرآن لو كان فيه من غير لغة العرب شئ لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الاتيان بمثله لانه أتى بلغات لا يعرفونها، وفي ذلك ما فيه.

وإذا كان كذا فلاوجه لقول من يجيز قراءة القرآن في صلاته بالفارسية، لان الفارسية ترجمة غير معجزة، وإنما أمرالله جل ثناؤه بقراءة القرآن العربي المعجز، ولو جازت القراءة بالترجمة الفارسية لكانت كتب التفسير والمصنفات في معاني القرآن باللفظ العربي أولى بجواز الصلاة بها، وهذا لا يقوله أحد

(279)

باب القول على الحروف المفردة الدالة على المعنى

فأما الحروف التي في كتاب الله جل ثناؤه فواتح سور، فقال قوم: كل حرف منها مأخوذ من إسم من أسماء الله: فالالف من إسمه: الله، واللام من: لطيف، والميم من مجيد، فالالف من آلائه، واللام من لطفه، والميم من مجده. يروى ذا عن ابن عباس، وهو وجه جيد وله في كلام العرب شاهد، وهو:

قلنا لها قفي فقالت: قاف (33)

كذا ينشد هذا الشطر، فعبر عن قولها وقفت، بقاف.

وقال آخرون، إن الله جل ثناؤه أقسم بهذه الحروف أن هذا الكتاب الذي يقرؤه محمد صلى الله عليه وآله، هو الكتاب الذي أنزله الله جل ثناؤه، لا شك فيه.

وهذا وجه جيد، لان الله عزوجل دل على جلالة قدر هذه الحروف إذ كانت مادة البيان ومباني كتب الله عزوجل المنزلة باللغات المختلفة، وهي اصول كلام الامم، بها يتعارفون، وبها يذكرون الله جل ثناؤه. وقد أقسم الله جل ثناؤه، بالفجر والطور، وغير ذلك، فكذلك شأن هذه الحروف في القسم بها.

وقال قوم: هذه الاحرف من التسعة وعشرين حرفا، دارت به الالسنة فليس منها حرف إلا وهو مفتاح إسم من أسمائه عزوجل. وليس منها حرف إلا وهو في آلائه وبلائه، وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم. فالالف سنة، واللام ثلاثون سنة، والميم أربعون. رواه عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه، عن الربيع ابن أنس. وهو قول حسن لطيف، لان الله جل ثناؤه، أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله والفرقان فلم يدع نظما عجيبا، ولا علما نافعا إلا أودعه إياه، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله. فليس منكرا أن ينزل الله جل ثناؤه هذه الحروف مشتملة مع إيجازها على ما قاله هؤلاء.

وقول آخر روي عن إبن عباس في (ألم): أنا الله أعلم. وفي (ألمص) أنا الله أعلم وأفصل. وهذا وجه يقرب مما مضى ذكره من دلالة الحرف الواحد على الاسم


(33) الصاحبي: 122، وينظر لسان العرب (قوف).

(280)

التام، والصفة التامة.
وقال قوم: هي أسماء للسور فـ (ألم) إسم لهذه، و (حم) إسم لغيرها. وهذا يؤثر عن جماعة من أهل العلم. وذلك أن الاسماء وضعت للتمييز، فكذلك هذه الحروف في أوائل السور موضوعة لتمييز تلك السور من غيرها. فإن قال قائل: فقد رأينا (ألم) افتتح بها غير سورة فأين التمييز · قلنا: قد يقع الوفاق بين إسمين لشخصين، ثم يميز ما يجيء بعد ذلك من صفة ونعت، كما يقال: زيد وزيد، ثم يميز بأن يقال: زيد الفقيه، وزيد العربي، فكذلك إذا قرأ القارئ: (الم ذلك الكتاب) (34) فقد ميزها عن التي أولها: (الم الله لا إلا إلا هو) (35).
وقال آخرون: لكل كتاب سر: وسر القران فواتح السور، وأظن قائل هذا أراد أن ذلك من السر الذي لا يعلمه إلا الخاص من أهل العلم والراسخون فيه.
وقال قوم: إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه، وقال بعضهم لبعض (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) (36)، فأنزل الله تبارك وتعالى هذا النظم ليتعجبوا منه، ويكون تعجبهم منه سببا لا ستماعهم، واستماعهم له سببا لا ستماع ما بعده، فترق حينئذ القلوب، وتلين الافئدة.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير