تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد يسد غيرها في معنى دلالي متميز، فالله تعالى أراد الظمآن بكل ما تحمله الكلمة في تضاعيفها الأولية والثانوية من دلالات خاصة بها فلا تسد مسدها ـ مثلاً ـ كلمة الرائي، لأنّ الرائي قد يرى السراب من بعيد وهو ليس بحاجة إليه، فلا يتكلف إلا الخداع البصري أما الظمآن فإنه يكد ويكدح ويناضل من أجل الوصول إلى الماء حتى إذا وصل إليه وإذا بما حسبه ماءً قد وجده سراباً، فكانت الحسرة أعظم والحاجة أشد ولم يبرد غليلاً، ولم يدرك أملاً.

قال أبو هلال العسكري (ت: 395 تقريباً): «فلو قال يحسبه الرائي ماءً لم يقع قوله (الظمآن) لأن الظمآن أشد فاقة إليه وأعظم حرصاً عليه (1).

ب ـ وما أراد به القرآن الاتساع المترامي، فإنه يختار له الألفاظ الدالة على هذا الاتساع بكل شمولية واستيعاب فحينما نتدارس بإجلال قوله تعالى:

(وما من دابّة في الأرض إلاّ على الله رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها كل في كتاب مبين *) (2).

فسنجد عمومية الألفاظ وشموليتها مما يتناسب مع عمومية المعاني وتطاولها، ويتواكب مع استقرار كل الجزئيات وعدم تناهيها، وذلك من أعاجيب القرآن وطرائفه، وهذه الألفاظ في هذه الآية هي: دابة، الأرض، الله، رزقها، مستقرها، مستودعها، كل، كتاب.

هذه الألفاظ في تراصفها وتقاطرها تفيد عموماً لا خصوص معه وتتجه نحو الإطلاق فلا تقييد، كما سنرى في هذا العرض: ـ

الدابة تستوعب مجموعة عامة مركبة من خلق الله مما دبّ وهب ودرج من الانس والجن والطير والأنعام والوحوش والهوام وكائنات لا نعرفها، ومخلوقات لا نتصورها، أرأيت عمومية وشمولية كهذا في دلالة لفظ واحد عليه مع عدم إمكان حصر ملايين النسمات في ضوئه.

والأرض هذه الكرة الفسيحة بجبالها ووهادها ومفاوزها وأشجارها


(1) العسكري، كتاب الصناعتين: 246.
(2) سورة هود: 6.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير