تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن تزايد نفوذ الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، يشكل عاملاً مساعداً لذيوع اللغة العربية وسعة انتشارها ووصولها إلى آفاق بعيدة، تتخطى رقعة الوطن العربي إلى العالم الإسلامي، وإلى مناطق شتى من العالم، خصوصاً وأن الإعلام المرئي يلعب دوراً بالغ التأثير في تبليغ الرسالة الإعلامية إلى العالم أجمع. وبذلك اتسعت الساحة أمام الضاد على نحو لا عهد لها به من قبل. وفي هذا الامتداد للغة العربية تجديدٌ لها، على نحو من الأنحاء، وتبديدٌ للوهم الذي ساد في فترات سابقة، بأن الضاد لم يعد لها مكان في هذا العصر.

ولئن كان هذا الاتساع المطرد والانتشار المستمر للغة العربية يعبّران عن حالة صحية تبعث على الارتياح، فإن التأمل المتأني في الوجه الثاني لهذه الظاهرة، ينتهي بنا إلى الوقوف على الحجم الحقيقي للمشكلة التي تعاني منها اللغة العربية في هذا العصر، والتي ستتفاقم في المستقبل، ما لم نبادر إلى البحث عن الحلول المناسبة. وبيان ذلك أن ثمة نوعاً من الخداع في الظاهرة موضع البحث، لأن لها مستويين؛ أولهما إيجابي، وثانيهما سلبي، فالإيجابي يتمثّل في انتشار اللغة العربية على أوسع نطاق في هذا العصر، والسلبي يكمن في أن الرضا بمستوى اللغة والركون إلى وضعها الحالي، يورثان حالة من الاطمئنان والقبول والتسليم بالأمر الواقع، مما يتسبَّب في العزوف عن تراث اللغة والزهد في رصيدها على النحو الذي قد يؤدي، إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه اليوم، إلى ما يشبه القطيعة مع الثقافة العربية الإسلامية في مصادرها وأصولها.

ولتلافي هذه الازدواجية، ولتجاوز هذه السلبية، فإنه لا مناص لنا من اعتماد المنهج التكاملي في تعاملنا مع اللغة، وقوامُه أن تواكب الجهودُ التي نبذلها على مستوى مجامع اللغة العربية في الوطن العربي وعلى مستويات أخرى في أقسام اللغة العربية بالجامعات العربية، التطورَ الذي تعرفه اللغة بحكم تأثير وسائل الإعلام فيها، وأن يساير هذا العملُ الأكاديميُّ والفني، الوضعَ الحاليَّ للغة العربية، فلا يرتفع عنه، ولا يستهين به، وإنما يتفهمه، ويستوعبه، بحيث لا يتم خارج نطاق الواقع، وإنما يكون جزءاً من هذا الواقع، يتفاعل معه تفاعلاً إيجابياً ينتج عنه ازدهار اللغة العربية وانتشارها، والحفاظ عليها وحمايتها، وتطويرها وتجديدها.

ولهذا المنهج أربع قواعد نُوجزها فيما يلي:

أولاها: التعامل مع اللغة على أساس أنها كائن حي قابل للتطور وفق ما يقرره أبناء اللغة، أي أن تطوير اللغة يأتي من إرادة الناطقين بها، ويصدر عنهم، فهم أصحاب المصلحة في هذا التطوير.

ثانيتها: إحكام العلاقة بين عملية تطوير اللغة وإصلاحها وتحسينها وتجديدها، وبين المتغيرات التي تعيشها المجتمعات العربية، بحيث تكون عملية التطوير استجابةً لتطور المجتمع ونابعة عن واقعه المعيش.

ثالثتها: الانفتاح على المستجدات في العالم، خاصة في مجالات العلوم والتقانة والمعلوميات وعلم اللغة الحديث بكل تفريعاته والحقول البحثية المرتبطة به، والسعي إلى الاقتباس والنقل والاستفادة الواسعة من نتائج هذه العلوم جميعاً في إغناء اللغة العربية وربطها بحركة الفكر الإنساني.

رابعتها: الاهتمام بالجانب القانوني والتشريعي في عملية التطوير، حرصاً على ضبط مساره والتحكم في نتائجه، من خلال وضع قوانين تصادق عليها الجهات المختصة في الدولة، لفرض هيبة اللغة وإلزام أفراد المجتمع والهيئات والجماعات باحترامها طبقاً للقانون، أسوة بما هو عليه الأمر في بعض الدول الغربية.

إن هذا المنهج الذي ندعو إليه، يلائم عصر العولمة الذي نعيشه، وينسجم مع طبيعة التحديات التي تواجه الضاد، ويتناسب والواقع الثقافي في العالم العربي.

إن لغة الإعلام في عصر العولمة لا تستقر على حال، فهي في تطور مطرد، لا يكون دائماً في خدمة اللغة. ولكنا لا نملك أن نعزل أنفسنا عن تيار العولمة، أو ننأى بلغتنا عن (الإعلام العولمي).

ومهما كان حكمنا على العولمة، ومهما يكن رأينا فيها (6)، فإنها تتيح فرصاً كثيرة لكل من يرغب في تطوير لغته، حيث تقدم الصحون اللاقطة والأنترنيت والبريد الإلكتروني والحاسوب، كل ما يستلزم من عمليات الإحصاء والترتيب والتخزين والاسترجاع والتصحيح، والمستقبل مفتوح لما لا يخطر على البال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير