تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن بيعت ساذجة تساوي عشرين ألفا، فقال لا تباع إلا أنها ساذجة. قال أبو الفرج: وإنما قال أحمد هذا؛ لأن هذه الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهد، بل الأشعار المطربة المثيرة إلى العشق، وهذا دليل على أن الغناء محظور، إذ لو لم يكن محظورا ما جاز تفويت المال على اليتيم، وصار هذا كقول أبي طلحة للنبي - صلى الله عليه وسلم - عندي خمر، لأيتام فقال أرقها فلو جاز استصلاحها لما أمر بتضييع مال اليتامى. قال الطبري: فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه، وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عليك بالسواد الأعظم) (ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية).

قلت: ما أباحه إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري من الغناء ليس هو كالغناء المعهود المثير للنفوس، والباعث على الشوق والغرام، الملهب لها من وصف الخد والعينين ورشاقة الشفتين. تقعد المغنية أمام المذياع فتؤدي غناها بصوت رخيم يبعث على الوجد والأنات. يسمع صوتها من بعد ومن قرب، فحاشا هذين المذكورين أن يبيحا مثل هذا الغناء الذي هو في غاية الانحطاط، ومنتهى الرذالة.

ثم قال القرطبي: قال أبو الفرج، وقال القفال من أصحابنا: لا تقبل شهادة المغني والرقاص. قلت: وإذ قد ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز، وقد ادعى أبو عمر بن عبد البر الإجماع على تحريم الأجرة على ذلك، وقد مضى في الأنعام عند قوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} وحسبك. اهـ كلام القرطبي وما ذكره في سورة الأنعام هو قوله (7 - 3) قال أبو عمر بن عبد البر في الكافي: من المكاسب المجمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسحت والرشا وأخذ الأجرة على النياحة والغناء، وعلى الكهانة، وادعاء الغيب وأخبار السماء، وعلى الزمر واللعب الباطل كله. اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى (30 - 215) في أثناء كلام له على ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر براع معه زمارة فسد أذنيه.

قال: الوجه السادس أنه قد ذكر ابن المنذر اتفاق العلماء على المنع من إجارة الغناء والنوح فقال: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة والمغنية كره ذلك الشعبي والنخعي ومالك، وقال أبو ثور والنعمان ويعقوب ومحمد: لا تجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح وبه نقول.

وقال الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان (1 - 245) في ذكر أقوال العلماء في الغناء نقلا عما ذكره أبو بكر الطرطوشي في كتابه (تحريم السماع) قال: أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه، وقال إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب وسئل مالك - رحمه الله - عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال: إنما يفعله عندنا الفساق. قال:، وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب، وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك، ولا نعلم خلافا أيضا بين أهل البصرة في المنع منه قال ابن القيم: قلت: مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقوله فيه أغلظ الأقوال، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية يوجب الفسق، وترد به الشهادة، وأبلغ من ذلك أنهم قالوا إن السماع فسق، والتلذذ به كفر، هذا لفظهم، ورووا في ذلك حديثا لا يصح رفعه، قالوا: ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره، وقال أبو يوسف في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي ادخل عليهم بغير إذنهم؛ لأن النهي عن المنكر فرض فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض، وأما الشافعي فقال في كتاب أدب القضاء: إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته، وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه، وأنكروا على من نسب إليه حله. إلى أن قال ابن القيم، وأما مذهب الإمام أحمد فقال عبد الله ابنه: سألت أبي عن الغناء فقال الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني، ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله عندنا الفساق. اهـ فهذا حكم الغناء، كما تراه، وكما يدل على منعه الكتاب والسنة والإجماع إلا من شذ فلا يهولنك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير