تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمر الثاني: مما يلاحظ على المؤلف قوله عن الغناء: (وقد أباحه الإسلام ما لم يشتمل على فحش أو خنا أو تحريض على إثم)، فقد تخيل المؤلف خلو الغناء من هذه المفاسد، وبنى على هذا التخيل الحكم بإباحته، ونسب ذلك إلى الإسلام، وهذا من المجازفة في القول، ومن القول على الله بلا علم؛ لأن الواقع خلافه، فالإسلام ما أباح الغناء، بل حرمه بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، منها قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآيات، قال العلامة ابن القيم - رحمه الله -: [1] ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء، فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء يرددها ثلاث مرات. وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء ... إلى أن قال، ولا تعارض بين تفسير لهو الحديث بالغناء وتفسيره بأخبار الأعاجم وملوكهم وملوك الروم ونحو ذلك، مما كان النضر بن الحارث يحدث به أهل مكة يشغلهم به عن القرآن، وكلاهما لهو الحديث، ولهذا قال ابن عباس: لهو الحديث الباطل الغناء، فمن الصحابة من ذكر هذا، ومنهم من ذكر الآخر، ومنهم من جمعهما، والغناء أشد لهوا وأعظم ضررا من أحاديث الملوك وأخبارهم، فإنه رقية الزنا، ومنبت النفاق، وشرك الشيطان، وخمرة العقل. وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه، ورغبتها فيه، إذا عرف هذا فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من هذا الذم بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن، وإن لم ينالوا جميعه، فإن الآيات تضمنت ذم استبدال لهو الحديث بالقرآن ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا، وإذا يتلى عليه القرآن ولى مستكبرا كأن لم يسمعه كأن في أذنيه وقرا، وهو الثقل والصمم، وإذا علم منه شيئا استهزأ به، فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرا، وإن وقع بعضه للمغنيين ومستمعيهم فلهم حصة ونصيب من هذا الذم. اهـ. من إغاثة اللهفان (1 - 258 - 259).

ومن أدلة السنة على تحريم الغناء قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة، فيقولون ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة) رواه البخاري محتجا به. قال ابن القيم: وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وعمران بن حصين وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي وعائشة أم المؤمنين وعلي بن أبي طالب وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن سابط والغازي بن ربيعة، ثم ساقها - رحمه الله -[في إغاثة اللهفان] فكيف يزعم المؤلف مع هذا كله أن الإسلام أباح الغناء؟!

ذكر طرف من أقوال العلماء في تحريم الغناء

ونذكر جملة من أقوال علماء الشريعة في حكم الغناء:

ذكر الإمام القرطبي في تفسيره (14 - 55 - 56) عن الإمام مالك أنه قال في الغناء إنما يفعله عندنا الفساق. قال وذكر أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري قال: أما مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه، وقال: إذا اشترى جارية ووجدها مغنية كان له ردها بالعيب، وهو مذهب سائر أهل المدينة إلا إبراهيم بن سعد فإنه حكى عنه زكريا الساجي أنه كان لا يرى به بأسا ... إلى أن قال: قال أبو الطيب الطبري:، وأما مذهب أبي حنيفة فإنه يكره الغناء مع إباحته شرب النبيذ، ويجعل سماع الغناء من الذنوب، وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة إبراهيم والشعبي وحماد والثوري وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك، وكذلك لا يعرف بين أهل البصرة خلاف في كراهية ذلك، والمنع منه إلا ما روي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه كان لا يرى به بأسا. قال: وأما مذهب الشافعي فقال الغناء مكروه ويشبه الباطل ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته، ثم ذكر القرطبي نقلا عن ابن الجوزي: أن الإمام أحمد سئل عن رجل مات وخلف ولدا وجارية مغنية، فاحتاج الصبي إلى بيعها، فقال: تباع على أنها ساذجة لا على أنها مغنية، فقيل له إنها تساوي ثلاثين ألفا، ولعلها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير