تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الغناء بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث من غناء أمرد مستحسن بآلات مستطابة، وصناعة تجذب إليها النفس، وغزليات يذكر فيها الغزال والغزالة والخال والخد والقد والاعتدال. فهل يثبت هناك طبع؟ هيهات، بل ينزعج شوقا إلى المستلذ، ولا يدعي أنه لا يجد ذلك إلا كاذب أو خارج عن حد الآدمية ... إلى أن قال: وقد أجاب أبو الطيب الطبري عن هذا الحديث بجواب آخر، فأخبرنا أبو القاسم الجريري عنه أنه قال: هذا الحديث حجتنا؛ لأن أبا بكر سمى ذلك مزمور الشيطان، ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر قوله إنما منعه من التغليظ في الإنكار لحسن رفعته، لا سيما في يوم العيد، وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت، ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء، وقد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه، وقد أخذ العلم عنها. ا هـ.

وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم (6 - 182) قال القاضي: إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة، وهذا لا يهيج الجواري على شر، ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه إنما هو رفع الصوت بالإنشاد، ولهذا قالت وليستا بمغنيتين، أي ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى، والتعريض بالفواحش، والتشبيب بأهل الجمال، وما يحرك النفوس، ويبعث الهوى والغزل، كما قيل الغناء فيه الزنا، وليستا أيضا ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن، ويبعث الكامن، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا، والعرب تسمي الإنشاد غناء. ا هـ.

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2 - 442 - 443): واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب (يعني حديث غناء الجاريتين) على إباحة الغناء وسماعه، بآلة وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها: (وليستا بمغنيتين) فنفت عنهما بطريق المعنى ما أثبته لهما اللفظ؛ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه الأعراب النَّصْب بفتح النون وسكون المهملة، وعلى الحداء، ولا يسمى فاعله مغنيا، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق، بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح، قال القرطبي: قولها (ليستا بمغنيتين) أي ليستا ممن يعرف بالغناء، كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز من الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن ... إلى أن قال: وأما التفافه - صلى الله عليه وسلم - بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك، لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره، إذ لا يقر على باطل، والأصل التنزه عن اللعب واللهو، فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل. والله أعلم. ا هـ.

فاتضح من هذه النقول عن هؤلاء الأئمة في معنى هذا الحديث أنه لا يدل بوجه من الوجوه على ما ادعاه الغزالي والمؤلف القرضاوي من إباحة الغناء مطلقا. والله أعلم.

وقول المؤلف: وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم استمعوا الغناء، ولم يروا بسماعه بأسا. هذا دعوى منه ونحن نطالبه بإبراز الأسانيد الصحيحة إلى هؤلاء الصحابة والتابعين بإثبات ما نسبه إليهم [1] وأن هذا الغناء المنسوب إليهم استماعه هو من جنس ما يغني هؤلاء من إلهاب النفوس الباعث على الوجد والغرام، والمشتمل على أوصاف المحاسن من النساء، وأنى له ذلك ومجرد الدعوى لا يثبت به حكم.

والدعاوى إذا لم يقيموا بينات --- عليها أهلها أدعياء

اعتراض المؤلف على أدلة تحريم الغناء والجواب عنه

يلاحظ على المؤلف في هذا الموضوع قوله عن أدلة تحريم الغناء: (وأما ما ورد فيه من أحاديث نبوية فكلها مثخنة بالجراح لم يسلم منها حديث من طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه).

ونجيب عن قوله هذا من عدة وجوه:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير