تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجواب: أن هذا الكلام من ابن حزم مبني على مذهبه أن الغناء حلال له حكم سائر المباحات، وقد علمنا أن هذا مذهب باطل ترده الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة الدالة على تحريم الغناء واستماعه، فلا يلتفت إليه. وعده استماع الغناء مما يتقوى به على طاعة الله، وأنه من الحق هو من قلب الحقائق والمغالطة الواضحة؛ لأن الغناء على العكس مما ذكر يصد عن طاعة الله، ويضل عن سبيل الله، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ولهو الحديث هو الغناء، كما تقدم بيانه، فقوله هذا مصادم للآية الكريمة، والاستماع الذي يستعان به على طاعة الله هو الاستماع إلى القرآن الكريم. قال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين: (1 - 485) والمقصود أن سماع خاصة الخاصة المقربين هو سماع القرآن بالاعتبارات الثلاثة إدراكا وفهما وتدبرا وإجابة. وكل سماع في القرآن مدح الله أصحابه وأثنى عليهم وأمر به أولياءه، فهو هذا السماع، وهو سماع الآيات، لا سماع الأبيات، وسماع القرآن، لا سماع مزامير الشيطان، وسماع كلام رب الأرض والسماء، لا سماع قصائد الشعراء، وسماع المراشد لا سماع القصائد، وسماع الأنبياء والمرسلين، لا سماع المغنيين والمطربين ... إلى أن قال: ويا لله العجب أي إيمان ونور وبصيرة وهدى ومعرفة تحصل باستماع أبيات بألحان وتوقيعات لعل أكثرها قيلت فيما هو محرم يبغضه الله ورسوله ويعاقب عليه ... إلى أن قال: فكيف يقع لمن له أدنى بصيرة وحياة قلب أن يتقرب إلى الله ويزداد إيمانا وقربا منه وكرامة عليه بالتذاذه بما هو بغيض إليه مقيت عنده، يمقت قائله والراضي به، وتترقى به الحال حتى يزعم أن ذلك أنفع لقلبه من سماع القرآن والعلم النافع وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - يا لله إن هذا القلب مخسوف به منكوس لم يصلح لحقائق القرآن وأذواق معانيه ومطالعة أسراره فبلاه بقراءة الشيطان، كما في معجم الطبراني وغيره مرفوعا وموقوفا (إن الشيطان قال يا رب اجعل لي قرآنا، قال قرآنك الشعر، قال اجعل لي كتابا، قال كتابك الوشم، قال اجعل لي مؤذنا، قال مؤذنك المزمار، قال اجعل لي بيتا، قال بيتك الحمام، قال اجعل لي مصائد، قال مصائدك النساء، قال اجعل لي طعاما، قال طعامك ما لم يذكر عليه اسمي) والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11 - ابتداء من صفحة 557) ما نصه: فأما السماع الذي شرعه الله تعالى لعباده، وكان سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم يجتمعون عليه لصلاح قلوبهم وزكاة نفوسهم، فهو سماع آيات الله تعالى، وهو سماع النبيين والمؤمنين وأهل العلم والمعرفة.

إلى أن قال: وبهذا السماع أمر الله تعالى، كما قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وعلى أهله أثنى، كما قال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِي. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} إلى أن قال: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} إلى أن قال - رحمه الله -: (وهذا هو السماع الذي شرعه الله لعباده في صلاة الفجر والعشاء وغير ذلك وعلى هذا كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتمعون وكانوا إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم يقرأ والباقون يستمعون، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون، وهذا هو السماع الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشهده مع أصحابه ويستدعيه منهم، ثم ذكر حديث عبد الله بن مسعود حين أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ عليه القرآن. إلى أن قال: وبذلك يحتج عليهم يوم القيامة، كما قال تعالى {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} إلى أن قال: وهذا السماع له آثار إيمانية من المعارف القدسية والأحوال الذكية يطول شرحها ووصفها، وله آثار محمودة من خشوع القلب ودموع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير