تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَجْعَلُونَهُ قُوتًا لِلْقُلُوبِ وَغِذَاءً لِلْأَرْوَاحِ وَحَادِيًا لِلنُّفُوسِ يَحْدُوهَا إلَى السَّيْرِ إلَى اللَّهِ وَيَحُثُّهَا عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا يُوجَدُ مَنْ اعْتَادَهُ وَاغْتَذَى بِهِ لَا يَحِنُّ إلَى الْقُرْآنِ وَلَا يَفْرَحُ بِهِ وَلَا يَجِدُ فِي سَمَاعِ الْآيَاتِ كَمَا يَجِدُ فِي سَمَاعِ الْأَبْيَاتِ؛ بَلْ إذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ سَمِعُوهُ بِقُلُوبٍ لَاهِيَةٍ وَأَلْسُنٍ لَاغِيَةٍ وَإِذَا سَمِعُوا سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ خَشَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَسَكَنَتْ الْحَرَكَاتُ وَأَصْغَتْ الْقُلُوبُ وَتَعَاطَتْ الْمَشْرُوبَ. فَمَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا: هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ مُبَاحٌ؟ وَشِبْهِهِ بِمَا كَانَ النِّسَاءُ يُغَنِّينَ بِهِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْأَفْرَاحِ لَمْ يَكُنْ قَدْ اهْتَدَى إلَى الْفَرْقِ بَيْن طَرِيقِ أَهْلِ الْخَسَارَةِ وَالْفَلَاحِ وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا: هَلْ هُوَ مِنْ الدِّينِ؟ وَمِنْ سَمَاعِ الْمُتَّقِينَ؟ وَمِنْ أَحْوَالِ الْمُقَرَّبِينَ؟ وَالْمُقْتَصِدِينَ؟ وَمِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْيَقِينِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ الْمُحِبِّينَ الْمَحْبُوبِينَ؟ وَمِنْ أَفْعَالِ السَّالِكِينَ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ كَانَ كَلَامُهُ فِيهِ مِنْ وَرَاءِ وَرَاءٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمِ الْكَلَامِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ: هَلْ هُوَ مَحْمُودٌ؟ أَوْ مَذْمُومٌ؟ فَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي جِنْسِ الْكَلَامِ وَانْقِسَامِهِ: إلَى الِاسْمِ. وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ أَوْ يَتَكَلَّمُ فِي مَدْحِ الصَّمْتِ أَوْ فِي أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ الْكَلَامَ وَالنُّطْقَ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَمَسُّ الْمَحَلَّ الْمُشْتَبَهَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ. فَإِذَا عُرِفَ هَذَا: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عُنْفُوَانِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْمُفَضَّلَةِ لَا بِالْحِجَازِ وَلَا بِالشَّامِ وَلَا بِالْيَمَنِ وَلَا مِصْرَ وَلَا الْمَغْرِبِ وَلَا الْعِرَاقِ وَلَا خُرَاسَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ مَنْ يَجْتَمِعُ عَلَى مِثْلِ سَمَاعِ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ لَا بِدُفِّ وَلَا بِكَفِّ وَلَا بِقَضِيبِ وَإِنَّمَا أُحْدِثَ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرَ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ فَلَمَّا رَآهُ الْأَئِمَّةُ أَنْكَرُوهُ. فَقَالَ: الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَلَّفَتْ بِبَغْدَادَ شَيْئًا أَحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ يُسَمُّونَهُ " التَّغْبِيرَ " يَصُدُّونَ بِهِ النَّاسَ عَنْ الْقُرْآنِ. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: مَا يُغَبِّرُ إلَّا الْفَاسِقُ وَمَتَى كَانَ التَّغْبِيرُ. وَسُئِلَ عَنْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَقَالَ: أَكْرَهُهُ هُوَ مُحْدَثٌ. قِيلَ: أَنَجْلِسُ مَعَهُمْ؟ قَالَ: لَا وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَئِمَّةِ الدِّينِ كَرِهُوهُ وَأَكَابِرُ الشُّيُوخِ الصَّالِحِينَ لَمْ يَحْضُرُوهُ فَلَمْ يَحْضُرْهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ وَلَا الْفَضِيلُ بْنُ عِيَاضٍ وَلَا مَعْرُوفٌ الكرخي وَلَا أَبُو سُلَيْمَانَ الداراني وَلَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحِوَارِيِّ وَالسَّرِيُّ السقطي وَأَمْثَالُهُمْ. وَاَلَّذِينَ حَضَرُوهُ مِنْ الشُّيُوخِ الْمَحْمُودِينَ تَرَكُوهُ فِي آخِرِ أَمْرِهِمْ. وَأَعْيَانُ الْمَشَايِخِ عَابُوا أَهْلَهُ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ عَبْدُ الْقَادِرِ وَالشَّيْخُ أَبُو الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمَشَايِخِ. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ مِنْ إحْدَاثِ الزَّنَادِقَةِ كَلَامُ إمَامٍ خَبِيرٍ بِأُصُولِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ هَذَا السَّمَاعَ لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ وَيَدْعُو إلَيْهِ فِي الْأَصْلِ إلَّا مَنْ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالزَّنْدَقَةِ: كَابْنِ الراوندي وَالْفَارَابِيِّ وَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِمْ: كَمَا ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي - فِي مَسْأَلَةِ السَّمَاعِ - عَنْ ابْنِ الراوندي. قَالَ: إنَّهُ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي السَّمَاعِ: فَأَبَاحَهُ قَوْمٌ وَكَرِهَهُ قَوْمٌ. وَأَنَا أُوجِبُهُ - أَوْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير