وقال الإمام الشافعي: لا يجوز لأحد أن يقيس حتى يكون عالماً بما مضى من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلاف العلماء ولسان العرب.
ثانياً: السنة:
فمنها ما يدل على ربط الأحكام بأوصاف في الأفعال مناسبة لتلك الأحكام كقوله (?) في الهرة: " أنها ليست بنجسة أنها من الطوافين عليكم والطوافات ".
ومنه حديث معاذ بن جبل أن رسول الله (?)، لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال له: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، فإن لم أجد بسنة رسول الله، فإن لم أجد أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله (?) على صدره وقال: " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله (?)، لما يرضى رسوله ".
ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن رسول الله (?) أقر معاذاً على أن يجتهد إذا لم يجد نصاً يقضي به في الكتاب والسنة، والاجتهاد بذل الجهد للوصول إلى الحكم، وهو يشمل القياس لأنه نوع من الاجتهاد والاستدلال والرسول (?) لم يقره على نوع من الاستدلال دون نوع.
ومنها ما روى عن عمر (رضى الله عنه) أنه قال: يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيماً، قبلت وأنا صائم. فقال رسول الله (?): أرأيت لو مضمضت بالماء؟ قلت: لا بأس. قال: فمه، أي ما وقع منك أمر هين سهل لا بأس به كالمضمضة، فقد قاس الرسول (?)، القبلة على المضمضمة، لاشتراكهما في عدم إيصال شيء إلى الجوف، وألحقها بها في الحكم، وهو عدم إفساد الصوم.
وقد اجتهد الصحابة في الوقائع التي لا يوجد فيها نص من القرآن والسنة وأخذوا يقيسون ما لا نص فيه على ما فيه نص ويعتبرون النظير بنظيره، فقد قاسوا خلافة أبي بكر على إمامة الصلاة، وبايعوا أبا بكر بها وأظهروا أن القياس هو: رضية رسول (?) لديننا، أفلا نرضاه لدنيانا. وحارب أبو بكر مانعي الزكاة، استناداً إلى أنها كان يأخذها الرسول (?) لأن صلاته سكن لهم لقوله تعالى: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ".
ثالثاً: المعقول:
أما من ناحية المعقول فنجد أن الله سبحانه وتعالى عندما شرع الأحكام فلم يشرعها إلا لمصالح العباد، وأن صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان تقتضي فتح باب الاجتهاد بل وجوبه، فيما يستجد من الأحداث والوقائع التي لا نص فيها، وأول ما تقتضيه إلحاق ما لم ينص عليه بما ورد فيه نص، متى تحققت فيه علة حكمه أو شمله ضابطه العام، وهذا هو القياس.
ومنها أن نصوص القرآن والسنة محدودة ومتناهية، ووقائع الناس واقضينهم غير محدودة ولا متناهية، فلا يمكن أن تكون النصوص المتناهية وحدها هي المصدر التشريعي لما لا يتناهى، فالقياس هو المصدر التشريعي الذي يساير الوقائع المتجددة، وقد فطر الله سبحانه وتعالى العقول البشرية على التسوية بين المتماثلين، وعدم التفرقة بينهما على أساس هذه الفطرة في كثير من آيات الكتاب الكريم، ومنه أن سبحانه يبين أن عقوبته تحل بالمجرمين، وأن جنته أعدت للمتقين ثم قال: " أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون " سورة القلم ـ آية (35 ـ36).
فأنكر سبحانه وتعالى أن يساوي المسلمين بالمجرمين في الحكم وقد اختلفوا في علته.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[13 Aug 2006, 01:13 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ومن أقوى الأدلة على صحة العمل بالقياس قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي يختلس النظر: ((لو أعلم أنه ينظرني لطعنت بالمدرى في عينه، وهل جعل الاستئذان إلا من أجل البصر))؟ فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستئذان إنما شرع لعلة، ومع أن هذه العلة غير منصوصة إلا أنها واضحة من سياق الآيات، فغَضَبُ النبي صلى الله عليه وسلم ممن فعل ذلك يَدُلُّ على أن النظر في علل الأحكام والقياس عليها مشروع بل واجب.
وأما حديث معاذ فهو حديث لا يصح من جهة الصناعة الحديثية وإن كان جماهير الأصوليين يذكرونه في كتبهم.
والأحاديث في صحة القياس عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا زادت على ثلاثمائة في مصنف لأحد علماء الحنابلة.
وأما الآثار عن الصحابة في القياس فأكثر من أن تحصى، ومن أشهرها رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري، وقد تلقاها أهل العلم بالقبول، ولا يضرها طعن ابن حزم في سندها.
وأيضا من الأدلة على صحة القياس إجماع أهل العلم على صحته، فقد ذكر غيرُ واحد من أهل العلم أن إنكار القياس لم يظهر إلا في القرن الرابع على يد داود الظاهري ومن تبعه، ولم يعرف لهم سلف في هذا القول.
وأما ما ذكره ابن حزم وغيره من الآثار عن الصحابة في ذم القياس، فاحتجاج غريب حقا؛ لأنه إن ثبت عنهم العمل بالقياس أحيانا وذمه أحيانا دل ذلك على أن المذموم إنما هو بعضُ القياس لا كله.
وقد أجمع الصحابة - إلا ابن عباس - على مسألة العول التي مبناها على القياس أصلا، فمن العجيب أن يزعم بعض الظاهرية إجماع الصحابة على بطلان القياس!
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه