ولم يخاطب الكتاب جماعة المسلمين بقتال بعد الصحابة إلا قوله ? وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمرالله ? الحجرات 9 ويعني أن لجماعة المسلمين بعد حياة النبي ? أن تقاتل الفئة الباغية كما هي دلالة تجريد هذا القتال المأذون به من الوصف بسبيل الله.
أما قتال الدولة الأموية فما بعده فليس شيء منه شرعيا فضلا عن وصفه بأنه في سبيل الله ولا يخفى فقه عمر ابن عبد العزيز إذ أوقف المد الإسلامي بالحملات العسكرية لما تسلم السلطنة ........
أما الدفع كما في قوله ? وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أوادفعوا ? عمران 167 ومن المثاني معه قوله ? وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ? النساء 75 فليس من القتال في سبيل الله إذ غاير بينهما وإنما هو سلوك الذي يقاتل حمية، وهكذا ندب إلى المنافقين فعله للدفاع عن المدينة في غزوة أحد كما في حرف عمران ولتخليص المستضعفين في مكة كما في حرف النساء لما أعرضوا عن القتال في سبيل الله أي طاعة لله ورسوله.
وإن من الدفع قتال صلاح الدين الأيوبي في ظل دولته إذ دفع عن شعبه صولة الصليبيين وقتال قطز في ظل دولته إذ دفع عن شعبه صولة التتار، وليس قتالهما في سبيل الله كما بينت.
إن قوله:
• ? ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ? الحج 40
• ? ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ? البقرة 251
ليعني أن من نعمة الله وفضله على العالمين أن أذن للناس كل الناس في العالمين وهم أعم من المسلمين أي أذن لليهود والنصاري والصابئين والمسلمين أن يدفع كل منهم أعتداء الآخر عليه ولتحفظ دور العبادة لكل أهل دين وهي الصوامع والبيع والصلوات والمساجد من الهدم واعتداء الغزاة المعتدين، وقد وقع الإذن في السورتين في سياق اعتداء الغازي المحتل وهو اعتداء جالوت وجنوده في حرف البقرة وهو اعتداء الأقوياء الذين يقاتلون الضعفاء ظلما في حرف الحج.
والحرفان من الخطاب الجماعي أي للشعوب التي تتعرض للاحتلال والقهر ولا يقع الخطاب فيهما على الأفراد كما يأتي تحقيقه قريبا.
احتجاج الحركات الجهادية في الميزان
إن مدار احتجاج الحركات الجهادية في هذه المرحلة لرفع السلاح والقتال هو على رواية أبي هريرة المتواترة عن النبي ? أنه قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " وكذلك حديث ابن عمر مرفوعا، والنبي ? هو المأمور بقتال الكفار على الإسلام وكما هو صريح الحديث " أمرت ".
وكذلك تحتج الحركات الجهادية في هذه المرحلة بحديث ابن مسعود المرفوع " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة " وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وبحديث عائشة المرفوع، وهو صريح في القتل على هذه الخصال ولو لم تحصل مقاتلة من أصحابها غير أنه من التشريع الجماعي في الكتاب المنزل للمجتمع المدني المسلم.
ولن يقوم الإحتجاج به للأفراد إذ لم يأت في الكتاب أمر فرد بقتل فرد ولا جماعة، وإنما جاء في الكتاب أمر الجماعة المسلمة بقتل فرد شذ أو حارب كما في قوله ? ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ? الأنعام 151 الإسراء 33 في خطاب الجماعة المسلمة لا في خطاب الفرد وإنما بيان قتلها بالحق هو ما بيّنه الكتاب وبيّنه النبي ? بالحديثين المرفوعين عن ابن مسعود وعائشة، أما غير الثيب الزاني والقتل للقصاص والمحارب المفارق للجماعة التارك لدينه فإذا قتلته الجماعة فإنما ظلما وعدوانا منها على الفرد.
¥