تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا يخفى نزول حرفي الأنعام والإسراء في مكة قبل قيام الدولة النبوية في المدينة ولكن الجماعة المسلمة المخاطبة بهذا التكليف لم توجد في مكة البتة قبل الهجرة وإنما وجدت ونشأت وكان لها سلطانها الذي اكتسبت به صفة الجماعة في المدينة، وظلت الجماعة المسلمة بعد قيامها في المدينة لا تعلم دلالة قوله ? بالحق ? الذي يجعل لها سلطانا أي حجة من الله بقتل فرد منها شذ أو حارب حتى نزل حد الزاني المحصن وهو الشاذ بعد غزوة الأحزاب وتجاوز الدولة مرحلة الدفاع ونزل الإذن بالقصاص في البقرة والمائدة ونزل حد الحرابة في المائدة في السابعة للهجرة.

ولم يوصف قتل الجماعة للفرد الذي شذ أوحارب بأنه (في سبيل الله) فظهر أن للمؤمنين بعد الرسول ? أن يتمثلوا القيام بالحدود إذا كان لهم جماعة وسلطان أي تمكين في الأرض إذ لم يوصف قطع يد السارق وجلد الزاني والقاذف والقصاص بأنه (في سبيل الله) وتجردت جميع الحدود من هذا الوصف، وكما هي دلالة الحديثين " لا يحل " أي لا يحل للجماعة قتل الفرد إلا بإحدى ثلاث.

ولقد تأخر الإذن بالقصاص منذ قتل ابن آدم الأول بيد شقيقه الخاسر إلى أن أنزلت التوراة على أول مجتمع مدني مسلم بعد هلاك فرعون، أما قبلهم فلم توجد على ظهر الأرض جماعة مسلمة إذ لم يتجاوز الناجون مع الرسل بالآيات كنوح وهود وصالح ولوط وشعيب العد بالأصابع، وتلك دلالة قوله ? من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس حميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا ? المائدة 32 بعد تلاوة نبإ ابني آدم بالحق على هذه الأمة، ودلالة قوله ? وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ? المائدة 45 ويعني فرض القصاص في التوراة، أما قبلها فلم يوجد تشريع جماعي كما حققت.

إن قوله ? ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرّة بغير علم ? الفتح 25، ليعني أن حرمة دم وعرض الذين يكتمون إيمانهم في مكة في السادسة من الهجرة هو الذي فرض على النبي ? صلح الحديبية ومنعه من دخول مكة عنوة لئلا تنتهك ـ بغير علم ـ دماء وأعراض الذين يكتمون إيمانهم فتصيب الصحابة المعرة عند الله يوم الحساب، ولن تصح إذن شرعية العمليات الإرهابية والسيارات المفخخة ولا العمليات الإنتحارية التي يقتل فيها المنتحر نفسه ليتعدى حدود الله ومنها قوله ? ولا تقتلوا أنفسكم ? النساء 29 فيقتل نفسه، وقد يقتل فيها من يكتم إيمانه ومن يعلنه.

أقول: أدعوكم قادة التنظيمات السرية والجهادية إلى التوبة وإعلانها للناس على سواء للنجاة من عذاب الله ومن ظلم الافتراء على الله أن ما تقومون به من تنظيمات وعمليات انتحارية وإرهابية هو دين الإسلام وإني لأعجب إن كنتم أفقه في دين الله من الرسل والنبيين الذين لم يعملوا مثل عملكم هذا كما يأتي قريبا تحقيقه، وسيوفق الله للتوبة من دخل ابتداء في التنظيمات السرية والجهادية بحثا عن الحق ليتخلى عنها إذا أبصر الحق في غيرها.

فقه المرحلية

إن قوله ? ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ? الزمر 27 لتعني أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان إذ حوى القرآن مثالا لكل حالة ومرحلة سيتعرض لها المسلم فأكثر منذ نزول القرآن إلى قيام الساعة، وعلى كل مسلم أن يتمثل المثل الذي ضرب الله له في القرآن فإن كان سجينا فقد ضرب الله له مثل يوسف الذي شهد له صاحبا السجن بقولهما ? إنا نراك من المحسنين ? يوسف 36، وإن كان فردا مسلما طليقا في أرض لا يعبد الله فيها فقد ضرب الله له مثل إبراهيم الذي كان أمة وحده، وإن كانت قلة تخاف أن تفتن عن دينها فقد ضرب الله لها مثلا بأصحاب الكهف الذين اعتزلوا من يخافون فتنته وتركوه وشأنه وكما في الأحاديث الصحيحة أن سيوشك أن يكون خير مال المسلم غنيمات يرعى بها رؤوس الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن، وإن كانوا ممكنين في الأرض فقد ضرب الله لهم مثل داوود وسليمان وذي القرنين والنبي الأمي ? بعد غزوة الأحزاب، وحوى القرآن جميع المواقف التي سيقفها أعداء الدين من أهله إلى نهاية المستقر والمتاع في الأرض للإنسان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير