تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن ما يقع علي المسلم خطابا وتكليفا من نصوص الوحي ـ وحده من جهة ومع جماعة من جهة أخرى ـ هو متغير ومتجدد حسب الزمان والمكان والعلم والقوة والأسباب، وقد يختلف الخطاب باختلاف المكان للمسلمين المتعاصرين بل وللذين يعرف بعضهم بعضا ويتصل بعضهم ببعض.

ولقد كان المسلمون داخل الدولة النبوية في المدينة المنورة مكلفون بجميع الخطاب الجماعي خلافا للملك النجاشي ورجال مؤمنين ونساء مؤمنات في مكة قبل الفتح إذ لم يخاطبوا بشيء من التكاليف الجماعية كالجمعة والقضاء والحدود والجهاد والقتال.

ولا يخفى وصف النجاشي بالإيمان إذ صلى عليه النبي ? صلاة الغائب يوم موته في التاسعة من الهجرة، ولا يخفى وصف المؤمنين المستضعفين في مكة قبل الفتح بالإيمان كما في قوله ? ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ? الفتح 25 فوصفوا بالإيمان رغم عدم قيامهم بشيء من التكاليف الجماعية لأنهم كانوا مستضعفين، وكانوا خارج نفوذ الدولة الإسلامية، ولقد أسقط الاستضعاف عن الرسول النبي هارون معاقبة عبدة العجل كما في قوله ? قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ? الأعراف 150 وأقره موسى، وجعل الله عذره عبرة لأولي الألباب كما في قوله ? لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ? يوسف 111، وأسقط الاستضعاف كذلك عن بني يعقوب الوفاء بموثقهم فلم يرجعوا بأخيهم كما في قوله ? قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ? يوسف 66 فكان وجودهم في ظل حاكم أقوى منهم، من الإحاطة بهم، ولم يكلفهم أبوهم يعقوب بالعمليات الآنتحارية ولا بالاغتيالات في صفوف المصريين.

إن قوله ? وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ? النساء 75 ليعني أن المستضعفين في مكة لم ينشئوا التنظيمات السرية ولم يقوموا باغتيال زعماء مكة، وشكر الله سلوكهم فجعله قرآنا يتلى للذكر والعبرة، إذ لم يكن منهم إلا دعاء ربهم ليخرجهم من مكة حيث استضعفوا فيزول عنهم الاستضعاف.

إن القرآن حدثنا أن الانشغال بالصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر التكاليف الفردية والكف عن القتل والقتال والاغتيال هو سلوك رسول الله وخاتم النبيين محمد ? في العهد المكي على نسق جميع النبيين والرسل الذين لم يمكّن لهم في الأرض مثل نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب ومثل موسى وهارون قبل هلاك فرعون ولو جاز لهم لسارع إليه موسى وهارون ولهما أكبر الدوافع بما يعانيه قومهما من فرعون وملئه الذين يسومونهم سوء العذاب بقتل الذكور واستحياء النساء لإبادة شعب بكامله ولو جاز لهم لما اكتفى محمد ? في العهد المكي بأمر أصحابه بالصبر وهم يعذبون حتى ماتت سمية بالتعذيب ولما منع أصحاب بيعة العقبة الكبرى في السنة الثالثة عشر من البعثة على عتبة الهجرة من اغتيال زعماء مكة في منى لتصبح بانقلاب أحمر دار إسلام وهجرة.

إن النبي محمدا ? قد كلف باتباع النبيين قبله وبالاهتداء بهداهم ومنهم إبراهيم الذي حطم أصنام قومه كما في قوله ? وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم ? الأنبياء 57 ـ 58 وقوله ? فراغ عليهم ضربا باليمين ? الصافات 93 ولم يتبع خاتم النبيين محمد ? إبراهيم في هذا السلوك إذ لم يحطم الأصنام حول الكعبة بل ظل يصلي ويطوف حول الكعبة قبل الهجرة ولم يمس الأصنام بسوء، وكان محمد ? قد أطاع الله في قوله ? ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ? الأنعام 108، فكان استثناء من عموم الأمر في قوله ? فبهداهم اقتده ? الأنعام 90، وعلم النبي ? أن النهي عن سب الأصنام يعني نهيا أكبر منه عن تحطيمها في مرحلة الاستضعاف.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير