وحدثنا القرآن أن كل عملية قتل وقعت عبر التاريخ منذ قتل ابن آدم الأول بيد شقيقه الخاسر وإلى أن نزلت التوراة وقتل قتيل بني إسرائيل الذي ضرب ببعض أجزاء البقرة التي ذبحت - إنما كانت من جانب الكفار والمشركين، إذ لم يتضمن القرآن القتل ومحاولته والقتال والاغتيال في مرحلة ما قبل التمكين إلا من جانب الكفار، ومنه تهديد نوح وإبراهيم وشعيب بالرجم، ومحاولة اغتيال صالح وأهله من جانب تسعة رهط من قومه، ومنه رمي إبراهيم في النار التي نجاه الله منها، ومنه المجزرة الجماعية لأصحاب الأخدود الذين حرقوا بالنار، ومنه قتل السحرة لما آمنوا برب العالمين رب موسى وهارون من جانب فرعون، ومنه قتل أصحاب القرية الرجل الذي جاء من أقصى المدينة ليعز الرسل الثلاثة الذين هددوا بالرجم ومنه محاولة اليهود قتل عيسى لولا أن رفعه الله، ومنه عمليات قتل أنبياء وأتباعهم لم يفصلها القرآن.
أقول نعم! لقد ذكر القرآن أن موسى قتل قبطيا خطأ قبل الرسالة وقد استغفر منها وعاتبه الله عليها وتاب عليه فمن يحتج بها؟ وأن الخضر قتل غلاما بأمر الله لقوله ? وما فعلته عن أمري ? الكهف 82، وأما تفكير الأسباط إخوة يوسف في قتله فقد تراجعوا عنه واستغفروا منه وكان قبل نبوتهم وبدافع الغيرة وهم فتيان لا زالوا يلعبون ويمرحون ويستبقون.
إن القرآن حدثنا أن ابن آدم الأول المقتول إنما منعه دينه عن الدفاع عن نفسه وذلك قوله ? لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ? المائدة 28.
وما كان جواب نوح لما هدد بالرجم إلا كما في قوله ? قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين ? الشعراء 117ـ 118.
وما كان جواب الرسل الثلاثة الذين هددوا بالرجم إلا كما في قوله ? قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون ? يس 19.
وما كان من الرسل بالآيات لما هددوا بالإخراج أو الإكراه إلا أن قالوا ? ولنصبرن على ما آذيتمونا ? إبراهيم 12 واستفتحوا ربهم طلبا للنصر.
وما كان من النبيين الذين قتلوا إلا أن صبروا.
إن المرحلة التي يعيشها الفلسطينيون والعراقيون اليوم قد عاشها بنو إسرائيل مرتين قبل نزول القرآن:
أولاهما: في ظل فرعون قبل وبعد رسالة موسى ذاقوا من العذاب كما في قوله ? وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ? الأعراف 127 ـ 129 ويعني أن موسى رغم تهديد فرعون بإبادتهم أكثر مما مضى، لم يأمر قومه بالإرهاب والاغتيال والقتل، وإنما بقوله ? استعينوا بالله واصبروا ? واستفتح ربه طلبا للنصر بقوله ? عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض ?.
وثانيهما: بعد نزول التوراة التي تضمنت التكليف بالقتال في سبيل الله، وكان نبيهم من بعد موسى بين أظهرهم يوم اجتاح جالوت وجنوده ديارهم وأخرجهم منها ورهن فيها الأبناء، ولم يأذن لهم بإنفاذ القتال في سبيل الله إلا لمّا بعث الله لهم طالوت ملكا، وكان القتال معه هو القتال في سبيل الله لا غيره كما في قوله ? ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ? البقرة 246 كما بينت، ولو سارع بعضهم لأجل الحماس إلى القتل والاغتيال في صفوف جالوت وجنوده لما كانوا من المقاتلين في سبيل الله، كما لم يكن قتل خالد بن الوليد ـ وهو من أمراء المسلمين في فتح مكة ـ بعض المشركين من القتال في سبيل الله، وإنما أعلن النبي ? براءته مما صنع خالد، وودى القتلى، ولست أدري كيف علم تنظيم القاعدة وغيرهم في هذا العصر أن قتالهم هو في سبيل الله.
إن المرحلة التي عاشها بنو إسرائيل في ظل فرعون هي نفسها المرحلة التي يعيشها الفلسطينيون اليوم في ظل الدولة اليهودية ولم يكن بنو إسرائيل يومها مأذونين بالجهاد والقتال فلو قاتلوا فرعون لما كان قتالهم من الجهاد أو القتال في سبيل الله.
¥